تقرير عن مناقشة أطروحة الدكتوراه: التحولات الأسرية في مناطق زراعة القنب الهندي – جماعة فيفي (إقليم شفشاون) نموذجا، مقاربة سوسيولوجية

قئة المقال:تقارير

نوقشت صباح يوم الأثنين 22 شعبان  1442 الموافق ل 05 أبريل 2021، بكلية الآداب والعلوم الانسانية جامعة محمد الخامس بالرباط، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، في وحدة التكوين،التغير الاجتماعي والتنمية المحلية، بشعبة علم الاجتماع، أعدتها الطالبة الباحثة نجاة التزروتي، و تحمل عنوان التحولات الأسرية في مناطق زراعة القنب الهندي-جماعة فيفي(اقليم شفشاون) نموذجا، مقاربة سوسيولوجية،تحت إشراف الأستاذ المختار الهراس وسعيد بنيس وناقشتها اللجنة العلمية المكونة من :

أ.د.عبد الغني منديب،رئيسا

أ.د. المختار الهراس،مشرفا

أ.د.سعيد بنيس ،مشرفا

أ.د. جمال الوفى،عضوا

أ.د. عبد الهادي الححولي،عضوا

دافعت الباحثة عن أطروحتها، و بعد مداولة اللجنة العلمية ،حصلت الباحثة على ميزة مشرف جدا مع التوصية بالنشر.

بالنسبة للسياق العام لهذه الأطروحة التي اشتغلت عليها الباحثة في 413 صفحة ،فهو مرتبط بظاهرة التحول التي تعرفها جميع المجتمعات الإنسانية ،والمجتمع المغربي القروي لم يكن بمعزل عن مختلف هذه التحولات ، خاصة وأنه يمثل 39.7 % من العدد الإجمالي لسكان المغرب حسب إحصاء 2014وهي تحولات كمية وكيفية  همت بالأساس نسق الأسرة، والتي ساهم فيها التاريخ الكولونيالي  و عوامل أخرى منها التضخم الديموغرافي، ، وتفتت الملكيات الزراعية، وتكثف ديناميات الهجرة، وتراجع القيم والعلاقات المشتركية. و بالتالي ظل المجتمع القروي يشغل اهتمامات الانتروبولوجيين  والسوسيولوجيين بالانكباب على معرفة بنياته الاجتماعية وتحالفاته القبلية ومؤسساته لما لها من دور في تشخيص البناء الاجتماعي المغربي ووصفه وتحليله. ومن بين المناطق التي عرفت مجموعة من  التحولات نجد منطقة الريف الغربي(جماعة فيفي)،خاصة بعد ظهور زراعة القنب الهندي  إلى جانب  الزراعات المعيشية والتي أثرت على الأسرة على عدة مستويات منها  وسائل الإنتاج، والمسكن، والملبس، والاستهلاك  مما انعكس على بنيتها ووظائفها وعلاقاتها وقيمها وتوجد صعوبة الفصل بين كل هذه الآثار لأنها مرتبطة ببعضها.

أهداف الاطروحة :

محاولة فهم مختلف التحولات التي عرفها نسق الأسرة في مجتمع البحث «جماعة فيفي» تبعا للتحولات المرتبطة بزراعة القنب الهندي بشمال المغرب ،و إضافة عمل بحثي للخزانة السوسيولوجية المغربية.

إشكالية الأطروحة

إن واقع التحولات السوسيواقتصادية والديموغرافية والثقافية التي عرفتها الأسرة في جماعة فيفي منذ 1990، تميزت أكبر ملامحه بازدواجية الأنشطة الزراعية المعيشية و بزراعة القنب الهندي، كزراعة تكميلية لكنها تحولت إلى زراعة أحادية مما ساهم في تلبية احتياجاتها السوسيواقتصادية والاجتماعية ، و اختيارنا لهذا البحث  هو محاولة لفهم مختلف التحولات التي عرفها نسق الأسرة  في مجتمع البحث .

لقد أثرت هذه الزراعة على نمط الإنتاج الأسري وعلاقاتها، كما أن تطور الدخل أثر على ثقافتها الاستهلاكية، بالموازاة مع ذلك أدت هذه الزراعة إلى ظهور الصراع على الماء والأرض نظرا لأهميتهما القصوى في النشاط الزراعي المرتبط بالقنب الهندي في هذه المنطقة من شمال المغرب مما أثر سلبا على العلاقات الاجتماعية بين الأسر لتتحول إلى  العزلة والفردانية.وقد أفضت الإشكالية إلى طرح الأسئلة التالية:

أسئلة الأطروحة

• كيف أدت زراعة  القنب الهندي إلى تطور عوامل الإنتاج لدى الأسر في جماعة فيفي ؟

• إلى أي حد أثرت هذه الدينامية الزراعية في تحول الدخل  لدى الأسر في جماعة فيفي ؟

• كيف ساهمت زراعة  القنب الهندي إلى تغير في المسكن القروي لدى الأسر في جماعة فيفي ؟

• إلى أي حد ساهمت زراعة  القنب الهندي في ظهور الاستهلاك التفاخري في طقوس الزواج لدى الأسر في جماعة فيفي ؟

• كيف ساهمت زراعة  القنب الهندي في تحول ميكانيزمات الأسرة التقليدية والسلطة الأبوية ؟ وإلى أي حد تحولت علاقات التضامن القرابي والجواري ؟

• وهل يمكن أن نعتبر أن الصراع بين الأسر ارتباطا بزراعة القنب الهندي  أثر على عزلتها وفردانيتها؟

فرضيات البحث

•      أدت زراعة  القنب الهندي إلى تطور عوامل الإنتاج لدى الأسر في جماعة فيفي.

•      أدت زراعة  القنب الهندي إلى تحول في الدخل الأسري لدى الأسر في جماعة فيفي

•      أدت زراعة  القنب الهندي إلى تغير في الشكل المورفلوجي والوظيفي للمسكن القروي لدى الأسر في جماعة فيفي.

•      أدت زراعة  القنب الهندي إلى ظهور الاستهلاك التفاخري في طقوس الزواج لدى الأسر في جماعة فيفي.

•      أدت زراعة  القنب الهندي إلى تحول في علاقات السلطة داخل الأسرة في جماعة فيفي.

•      أدت زراعة  القنب الهندي إلى تغير في علاقات التضامن القرابي والجواري لدى الأسر في جماعة فيفي.

  منهجية البحث:

تم إجراء البحث الميداني(بين غشت 2016وغشت 2018)،  في مجتمع إحصائي معروف 🙁 جماعة فيفي)-إقليم شفشاون، يبلغ فيه مجموع عدد الأسر ( 1626 )، وكانت وحدة البحث الإحصائية هي الأسرة و حجم العينة هو 20 % وعدد الأسر داخل مجتمع البحث 350 أسرة. أما اختيار المداشر الست فلتوفرها على أكبر عدد من الأسر مقارنة بباقي المداشر.

منهج البحث تم الاشتغال بالمنهج الوصفي التحليلي باعتباره الأكثر ملائمة للواقع الاجتماعي وفهم خصائصه، والمنهج السوسيو-التاريخي في مقاربة مقارنة لرصد دينامية التحول الذي عرفته الأسرة في جماعة فيفي.

تقنيات البحث الميداني:استخدمنا الاستمارة والمقابلة والملاحظة بنوعيها والصور والخرائط .بالنسبة للاستمارة فاستخدمنا في صياغة الأسئلة  اللهجة المحلية المتداولة في المنطقة “اللهجة الجبلية ” في350 استمارة مع المشاركين في البحث وهم أرباب الأسر من نفس منطقة البحث وتم إنجاز البحث الميداني  (بين غشت2016 وغشت 2018 )، كما تم توزيع عدد الأسئلة(70 سؤالا ) على4 محاور رئيسية وهي كالتالي: معطيات عامة حول رب الأسرة ، وحول المسكن الأسري،و الدخل الاقتصادي للأسر، و العلاقات الأسرية، وتم إجراء  20 مقابلة ، بين (  08.2016و08,2018 ) تضمنت ست محاور مرتبة كالتالي: معطيات عامة حول المشارك في البحث، وحول حيثيات زراعة القنب الهندي، وتطور زراعة القنب الهندي، إنتاج وتصنيع منتوج القنب الهندي، وزراعة القنب الهندي والممارسة الاستهلاكية للأسر، وأثر زراعة القنب الهندي على العلاقات الأسرية، وتم تفريغ المعطيات وتوظيف  بعض الأجوبة  من أجل الاجابة عن الفرضيات إلى جانب استخدام الصور والخرائط في متن الأطروحة.

نتائج البحث:

أولا أدت زراعة  القنب الهندي إلى تطور عوامل الإنتاج لدى الأسر في جماعة فيفي و اندثار الأشكال الإنتاجية التقليدية  وظهور عمال القنب الهندي، وأصبحت زراعة القنب الهندي بين بساطة أدوات العمل وعصرنته، وتم الاهتمام أكثربالحيازات الزراعية وتطوير العمل بها، وانتقلت من بذور وأسمدة الزراعات المعيشية إلى بذور القنب الهندي فنتج عنه التحول من (مشموم) القنب الهندي إلى إنتاج أنواع ذات دخل متطور(الكيف المسوس والمدرح وطبيسلة)

ثانيا أدت زراعة  القنب الهندي إلى تحول في الدخل لدى الأسر في جماعة فيفي ، فالدخل مرتبط بالنشاط الزراعي الموسمي  كما أنه متفاوت تبعا لحجم الحيازات الزراعية  الأسرية، ولدرجات جودته. إلا أن الدخل الأسري المرتبط بزراعة القنب الهندي لم يساهم في تحسين الوضعية الاقتصادية  لعاملين أساسيين: غلاء المعيشة وعدم وجود دخل قار،كما أن مجتمع البحث يؤكد على ان الوضعية ستتراجع كثيرا بنسبة79.71%،وبالتالي وجدنا أن بنية الأسرة تحولت من بنية منتجة إلى مستهلكة ،وتطور الدخل الأسري ارتباطا بزراعة  القنب الهندي.

ثالثا أدت زراعة  القنب الهندي إلى تغير في الشكل المورفلوجي والوظيفي للمسكن القروي لدى الأسر في جماعة فيفي، بحيث وجدنا مساكن حديثة وغير تقليدية إلا أنها لا تتجاوز 16%، و82%منهم يقطنون في مساكن تقليدية تم إصلاحها على مستوى الشكل والمكونات الداخلية ،وأصبحت المساكن الحديثة جزءا من المورفلوجية العامة لمنطقة البحث، وتعتبرغرف المسكن الحديث هي الأقل عددا بالمقارنة مع  غرف المسكن التقليدي ،ويعود ذلك لصغر حجم الأسرة النووية كما تشكل مواد البناء عبئا على رب الأسرة لأنها مرتفعة الثمن ،عكس مواد البناء المحلية التي يتوفر معظمها مجانا داخل الفضاء العام. كما تقلص الاهتمام بالحضيرة حيث تحول من وسط المسكن إلى غرفة تجاوره ف79% من الأسر توجد حضيرتها بجانب المسكن الأسري عكس ماكانت في الماضي. و19% فقط لا تزال تحتفظ بها داخل المسكن مثلما ذكرنا سالفا وظهرت فئة  2% من الأسر التي استغنت عن الحضيرة وذلك لاستغنائها عن تربية الماشية ، والاستغناء عن هذه الممارسة التقليدية في المجتمع القروي نابع من عدة اكراهات أهمها نقص المراعي، إلى جانب ضعف عدد الأفراد المهتمين بتربية الماشية ورعايتها ، كما أن الدخل المرتبط بزراعة القنب الهندي عوض الدخل الذي كانت تستفيد منه الأسرة عند بيع بعض الماشية في ظروف معينة. وتحولت إحدى الغرف الرطبة في المساكن سواء الحديثة أو  التقليدية إلى  مخزن لحزم القنب الهندي حرصا عليه من الاتلاف أوالسرقة ،كما أن أسقفة المساكن تستخدم لتجفيفه، وكلما طال  الاحتفاظ به ارتفعت جودته. كما  يتم تخصيص غرفة مجاورة للمسكن الأسري من أجل استضافة  «الخدامة دالكيف» إلى حين انتهاء عملهم .وتحولت المساكن الأسرية البسيطة إلى مساكن مجهزة بتجهيزات كهربائية وأخرى لتأثيث الفضاء بشكل ساهم في تمدينه إلا أنه لا يمكن التأكيد على مظاهر الاستهلاك البسيطة التي نجدها في بعض الأسر نظرا لثقافة الادخارالممارسة  خوفا من نوائب الدهر.

رابعا أدت زراعة  القنب الهندي إلى ظهور الاستهلاك التفاخري في طقوس الزواج لدى الأسر في جماعة فيفي، حيث تحولت الهدايا التي  كانت في معظمها مواد غذائية إلى  هدايا ثمينة من أجل التباهي والتفاخر،و تطورت قيمة المهور من 150 درهما ليصل إلى10.000 درهم إلى جانب المجوهرات وكلما ازداد  تجهيز العروس كلما تفاخرت العروس بأسرتها وسط أسرة الزوج،وبالنسبة للثقافة الاستهلاكية الطقوسية فقد انتقلت من الندرة إلى الموضة والتباهي، أما تنظيم الاحتفال فقد تحول من التضامن المفتوح إلى التضامن المغلق  ومن نموذج ثقافي تقليدي إلى آخر حديث تنافسي يتماشى والهرمية السائدة في مجتمع البحث.

خامسا تحولت ممارسات الترفيه حيث أعطيت الأولوية لمشاهدة البرامج التلفزية المتنوعة التي يتمثلونها مساهمة في الانفتاح على  العالم  الخارجي  وتتناسب مع الزمن الفارغ الذي يتوفر بعد ما يجعل من أرباب الأسر الذكور يرحبون بما هو ترفيهي ،ثم وجدنا مجالسة الاصدقاء في المقاهى التي تتوفرفي جميع دواوير الجماعة ما عدا دوار تيزرا ،خاصة يوم التسوق الأسبوعي ، فهي  فضاء  للقاء الأقارب وتبادل الأخبار  والبحث عن مشترين لمنتوج القنب الهندي، وتقصي أخبارها ، والقيام بمجموعة من الممارسات الترفيهية والترفيه عن النفس عبر مشاهدة المباريات الرياضية الدولية خاصة مباريات الريال والبارصا الذي يعتبر المجتمع بشمال المغرب من أكثر مشجعي هذين الفريفين ، والأفلام  والقيام ببعض الألعاب الجماعية كلعب الضامة او الكارطة ، او الكولفازور ، كما أن بعض أرباب الأسر الذين لاحظناهم بالمعاينة يرفقون جلساتهم باستهلاك  “الكيف«باستخدام السبسي، وكان الاختيار الثالث هوتصفح وسائل التواصل الاجتماعي والاهتمام بالهواتف المحمولة التي يتباهون بشراء الأغلى فيها ومتنقلين في شبكة التواصل الاجتماعي باحثين فيه عن عوالم مختلفة عن واقعهم المعيش  وبالتالي فقد ساهمت هذه الوسائل في تسهيل التواصل وتلبية الاحتياجات  والتوصل بالجديد من الأخبار وبالتالي إزالة العزلة السوسيوثقافية ، فترتب عن هذا الاستهلاك نفقات مرتبطة بتعبئة الهاتف برصيد من المكالمات والانترنت ليتحول الهاتف من وسيلة للاتصال إلى وسيلة ضرورية للترفيه خاصة وسط الفئة الشابة .وبالنسبة للمرأة فليس لها وقت فراغ، نظرا للعمل المتواصل طوال النهار، وزادها الاعتناء بنبتة القنب الهندي عناء،إلا أنها تستفيد أحيانا من متابعة البرامج التلفزية  في  زمن معين في اليوم، وقد وجدنا أن أهم المحددات المؤثرة في الثقافة  الاستهلاكية  الأسرية في جماعة فيفي هي مساهمة سوق خميس فيفي في الاستهلاك الأسري، ووسائل النقل ومساهمتها في الاستهلاك الأسري، وكذلك الادخار والاستثمار الأسري. واستنتجنا أن هناك ممارسات استهلاكية  ساهمت في إبراز مستوى الدخل الأسري، وأخرى قاومت القيم التقليدية، كما تأثرت العلاقات والقيم الأسرية في جماعة فيفي

سادسا تحولت البنية الأسرية وخلق علاقات تفاعلية جديدة، حيث ظهر نمط البنية النووية المستقلة أو العازلة بنسبة 75,43% وتحولت علاقات السلطة داخل الأسرة في جماعة فيفي خاصة على مستوى العلاقة بين الزوج والزوجة، حيث تم إشراك الزوجة في قضايا مهمة والتي لم يكن باستطاعتها ذلك في الأسرة التقليدية التي كان الأب هو من يتولاها ،ويختار من يستشيره فيها من الذكور من كبار السن ، واتضح أن نسبة التشاور مع الأسرة الوالدية أقل بكثير من نسب اللجوء إلى زوجته وأبنائه وهذا يعتبر تحولا دالا على استقلالية مسكنية واقتصادية .

كما تحولت العلاقة بين الاباء والابناء حيث أصبحت هناك استقلالية الأبناء عن السلطة الوالدية التقليدية ، إلى جانب انفتاحهم على الاعلام  والمدرسة ووسائل التواصل الاجتماعي وكذلك على عادات وتقاليد مختلفة مما ساهم في إضعاف تلك السلطة الوالدية  خاصة على مستوى ممارسة الصرامة والعقاب  ، ويتجلى أن هناك رفضا لما هو تقليدي ورغبة فيما هو حداثي  مرتبط بالحاضر وفي ذلك رغبة من التحرر من القيود المؤسسية والاخلاقية التي تقيد حرية الشباب ، ورغم ذلك يتم القبول بالقيم التقليدية ومحاولة التوفيق بينها وبين القيم. وقد ساهمت المدرسة في إضعاف السلطة الوالدية التي عوضت مؤسسة الفقيه الذي كان امتدادا للسلطة الأبوية داخل المسيد، على مستوى القيم والتقاليد وبالمقابل فالأب يزكي عقاب الفقيه من أجل  تنشئة الأطفال على احترام الكبار سواء ينتمون للأسرة أو ينتمون لمجال الأسرة ،”سلخو وانا نكمل عليه ”  في مجتمع البحث الذي يغلب عليه عدم التمدرس بنسبة 48,86 % ، كما أن المسيد لم يكن يعرقل  رغبة الآباء في  مساعدة الأبناء لهم زراعيا خاصة  المراحل التي تحتاجها زراعة القنب الهندي ، وبعد تفكك الأسرة الممتدة واستقلالية الأبناء في مساكنهم الزواجية ،ضعفت بالتالي  مكانة التعليم الديني مقابل الاهتمام بالمدرسة رغم ان التعليم الديني كان مشهورا في مناطق جبالة  وازدادت الرغبة في تمدرس الأبناء وأدت  إلى تحول  العلاقة مع الأرض بحيث فقدت الأسر النووية الثقة فيها، فلم  يعودوا يهتمون بجمع الأراضي لتركها لأبنائهم ، وإنما تدريسهم في دوار فيفي المركز  ،و السماح لهم بالسفر إلى أقاليم أخرى لإتمام التعليم العالي ،باذلين من أجل ذلك مجهودات مادية ومعنوية من أجل مساعدتهم على هذا المسار، ومن بين المساهمين الرئيسيين في تحول هذا الوضع هو تشييد المدارس  الابتدائية بعدة دواوير إلى جانب الإعدادية والثانوية بدوار فيفي المركز ، إلى جانب تدخل الدولة ببناء الطرق وفك العزلة مما شجع على التمدرس ، كما تحول الزواج من الاجبار غلى الاختيار.

سابعا أدت زراعة  القنب الهندي إلى تغير في علاقات التضامن القرابي والجواري لدى الأسر في جماعة فيفي، حيث تم الاقتصار على اللقاءات القرابية داخل الفضاءات العامة، وتوجيه المساعدات  لعائلة التوجيه أكثر من الأقارب، كما تم تركيزالمساعدات القرابية  على ما هو زراعي، ويتم الحرص على إبقاء الخلافات الأسرية  بعيدا عن التدخل القرابي، كما أصبحت هناك هيمنة النزاعات الصراعات على العلاقات القرابية، وهنا نجد أن بعض المحددات الكبرى هي  الترامي على الأراضي الزرعية، واحتكار الاستفادة من المنابع المائية.

يتجلى لنا أن هناك تحول  من اقتصاد الزراعات المعيشية إلى اقتصاد زراعة القنب الهندي. والذي  ساهم في تطور الدخل الأسري وتحسين الوضعية السوسيواقتصادية للأسر  في مجتمع البحث والدخول في نظام زراعي جديد، وظهرت معها عدة ممارسات الاستهلاكية الأسرية مورفلوجية وقيمية إلا أن ذلك أثر في العلاقات والقيم الأسرية في جماعة فيفي والتي تتأرجح بين قيم تقليدية وأخرى دخيلة على مجتمع البحث كقيم الصراع والفردانية.

لقد حاولنا في عملنا أن نستحضر المنهج المقارن لإبراز مختلف الوضعيات التي كان يعرفها مجتمع البحث قبل بروز ظاهرة زراعة القنب الهندي في جماعة فيفي، وذلك ساهم كثيرا في الوقوف على التحولات التي عرفتها الأسرة ارتباطا بنمط هذا الاقتصاد الدخيل ،في أفق طرح قضايا مهمة منها  التقنين الذي تم طرحه للنقاش مرات عديدة، ونحن نجد أن هناك ضرورة ملحة للانفتاح على بحوث  مستقبلية لدراسة ما يمكن أن يحققه التقنين من نقط إيجابية تحقق التنمية المستدامة وأخرى ستكون  سلبية لأن القوانين دائما يوجد من يرفض تطبيقها، ويمكن ألا تحقق طموحات الأسر الاقتصادية، كما يمكن دراسة تجارب الدول السباقة إلى تنفيده.وهنا يستحضرنا سؤال مركزي  :إلى أي حد يمكن للتقنين أن يساهم في تنمية الوضعية السوسيواقتصادية للأسر في مناطق زراعة القنب الهندي بشمال المغرب؟ وهو تساؤل  يفتح المجال أمامنا لنشتغل على الموضوع من جوانب  سوسيولوجية جديدة .

تعليقات