استدامة الدين الحكومي في مصر : هل يضمن الفائض الاولي بالموازنة العامة الحفاظ عليها ؟
قئة المقال: | دراسات وأبحاث |
---|
استدامة الدين الحكومي في مصر : هل يضمن الفائض الاولي بالموازنة العامة الحفاظ عليها ؟
المؤلف: ذكى, محمد
الدين الحكومي، أو ما يطلق عليه دين أجهزة الموازنة العامة، هو المكون الأكبر في رصيد الدين العام المصري، حيث بلغ رصيد هذا الدين نحو 6.9 تريليون جنيه، بنسبة 87.2% من الناتج المحلي الإجمالي في يونية 2022. وتتبني وزارة المالية استراتيجية لتخفيض مستوى هذا الدين إلى نحو 79% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، وذلك من خلال استهداف تحقيق فائض أولي primary surplus سنوي بالموازنة العامة يتراوح حول 2% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقد حققت الموازنة العامة بالفعل فائض أولي على مدار السنوات الست الأخيرة، وإن لم يصل إلى النسبة المستهدفة. ومن خلال تحليل ورقة السياسات الحالية للتطورات التي شهدها الدين الحكومي المصري على مدار السنوات الست الأخيرة والمصادر الأساسية لتراكم هذا الدين خلال تلك الفترة، توصلت الورقة إلى عدة نتائج على النحو التالي:
أن الفائض الأولي الذي حققته الموازنة العامة على مدار السنوات الست الأخيرة، وعلى الرغم من أهميته، إلا أنه غير كافيا للحافظ على استدامه الدين الحكومي، حيث اقترن تحقيق هذا الفائض بزيادة مطردة في قيمة هذا الدين ونسبته للناتج المحلي الإجمالي نتيجة ارتفاع تكلفة الاقتراض ومدفوعات فوائد الدين، فضلا عن التزايد الكبير في العمليات المالية تحت الخط، والتي تؤدي إلى زيادة تراكم الدين الحكومي دون التأثير على العجز السنوي للموازنة.
اقترنت الزيادة في حجم الدين الحكومي وفي نسبته للناتج المحلي الإجمالي بتحول مهم في هيكل هذا الدين، حيث ارتفع النصيب النسبي للدين الحكومي الخارجي من 17.7% من رصيد الدين الحكومي في يونية 2018 إلى 19.2% في يونية 2022، ومن المتوقع أن تصل إلى 22.4% من رصيد الدين الحكومي في يونية 2023. وغني عن القول أن تزايد النصيب النسبي للدين الخارجي في هيكل الدين الحكومي على هذا النحو يرفع حجم المخاطر المالية fiscal risks وتهديدات الاستدامة التي تواجه هذا الدين، خاصة في ظل عدم استقرار سعر الصرف للعملة الوطنية.
أسفر التوسع الكبير في الاقتراض الحكومي عن تخطى هذا الاقتراض، وللمرة الأولى في تاريخ الموازنة المصرية، حجم الإيرادات العامة، وهو الأمر الذي يمكن ان يترتب عليه العديد من التداعيات والآثار الاقتصادية والاجتماعية، وعلى رأسها:
o استمرار تصاعد الموجات التضخمية المتواترة والتي يتعرض لها الاقتصاد المصري منذ بداية عام 2022، وما يترتب على ذلك من آثار اقتصادية واجتماعية كبيرة، خاصة على الطبقات محدودة الدخل، وبما يلقي بمزيد من الأعباء على الموازنة العامة لزيادة برامج الدعم والحماية لتلك الطبقات.
o زيادة حدة المزاحمة التي يتعرض لها القطاع الخاص على مدار سنوات العقد الأخير، والتي أسفرت عن تراجع كبير في نصيب هذا القطاع من حجم الائتمان المحلي من 42.1% في عام 2010 إلى 21.8% فقط في سبتمبر من عام 2022. وهنا يجب الإشارة إلى ما ترتب على زيادة مزاحمة القطاع الخاص على مدار العقد الأخير من تراجع غير مسبوق في حجم أنشطته والاستثمارات التي يقوم بها، حيث تشير بيانات وزارة التخطيط إلى تراجع النصيب النسبي للقطاع الخاص من الاستثمارات الكلية المنفذة ليصل إلى 26.2% فقط في العام المالي 2021/2022 في مقابل62.4% من إجمالي الاستثمارات الكلية في العام المالي 2011/2012. وهنا تنوه الورقة الحالية إلى المخاطر التي يمكن ان تنتج عن الاستمرار في هذا المسار.
فمع تزايد حجم الدين الحكومي على النحو المتوقع حدوثه في العام المالي الحالي 2022/2023 والأعوام القادمة يمكن أن تضطر الحكومة إلى تقليص حجم الاستثمارات العامة سواء أكان يتم تنفيذها فوق الخط أو تحت الخط، وهو ما سيؤدي بدوره، وفي ظل التراجع المستمر لاستثمارات القطاع الخاص – والتي من المقدر أن تستمر في الانخفاض لتصل إلى 21.4% فقط من إجمالي الاستثمارات الكلية في خطة السنة المالية 2022/2023- إلى نقص حاد في حجم الاستثمارات الكلية المنفذة وبما يقوض مسار النمو الاقتصادي المستدام، وعلى نحو يمكن أن يكون له تداعيات كبرى وآثار سلبية ممتدة على استدامة الدين العام، بشقيه الحكومي وغير الحكومي. وبناء عليه، تطرح الورقة عدد من الإجراءات اللازمة للحفاظ على استدامة الدين الحكومي وتخفيضه إلى المستوى المنشود. وتأتي تلك الإجراءات على أربعة محاور أساسية:
(1) تعزيز مسار النمو الاقتصادي المستدام، باعتباره الركيزة الأساسية للحفاظ على استدامة الدين العام، بشقيه الحكومي وغير الحكومي،
(2) تحسين كفاءة أطر حوكمة الدين العام بشقيه الحكومي وغير الحكومي،
(3) تبني حزمة من الإجراءات المؤسسية اللازمة لتحقيق الانضباط المالي ورفع كفاءة الإنفاق العام،
(4) استكمال جهود الإصلاح والتطوير التي تبنتها الحكومة لرفع كفاءة منظومة الضرائب المصرية.
تعليقات