بنية الجملة وأنماطها في النحو الوظيفي

قئة المقال:دراسات وأبحاث

بنية الجملة وأنماطها في النحو الوظيفي بنية الجملة وأنماطها في النحو الوظيفي بنية الجملة وأنماطها في النحو الوظيفي بنية الجملة وأنماطها في النحو الوظيفي بنية الجملة وأنماطها في النحو الوظيفي بنية الجملة وأنماطها في النحو الوظيفي بنية الجملة وأنماطها في النحو الوظيفي بنية الجملة وأنماطها في النحو الوظيفي

بسم الله الرحمان الرحيم

ملخص بالعربية

يرى النحو الوظيفي أن بنية الجملة هي البنية الأساس، وأن بنية النص ليست إلا إسقاطا لبنية الجملة، ويرى سيمون ديك أن النحو الوظيفي لا يمكن أن يكون نحو جملة؛ وذلك نظرا لتوجهه الوظيفي التداولي، ومن هنا فهو نحو خطاب واصفا ومفسرا للملفوظ والمكتوب اللغويين( )؛ فالنحو الوظيفي لا ينظر إلى الجملة إلا بوصفها مرحلة عملية أولية تسبق النص وتمهد له، وعلى هذا فقد أشار ديك إلى الانتقال بالنحو الوظيفي من نحو الجملة إلى نحو النص.

الكلمات المفتاحية: بنية الجملة وأنماطها في النحو الوظيفي

ملخص بالانجليزية

The functional grammar holds that the structure of the sentence is the basic structure, and that the structure of the text is only a projection of the structure of the sentence, and Simon Dick sees that the functional grammar cannot be towards a sentence; This is due to his deliberative career orientation, and hence is towards a letter describing and interpreting the spoken and written linguists (); The functional grammar does not look at the sentence except as a preliminary practical stage that precedes and prepares for the text, and on this basis, Dick pointed to the move towards a functional grammar from towards the sentence to towards the text.

تقديم:

اهتمت احد النظريات بالجملة ونظرت إليها من منظور نفسي مهتمة بمفهوم “الفاعل النفسي” وكان يتزعم هذه النظرية “ويل” اللغوي الألماني، ثم طور أفكاره مجموعة من الباحثين على رأسهم ماتزيوس وبلور أفكار “ويل” في نظرية “الوجهة الوظيفية للجملة” كأحد المفاهيم المتحكمة في ترتيب مكونات الجملة( )، الذي اقترح تقسيما جديدا للجملة، يعتمد على معيار ربط الجملة بالسياق أو الموقف الكلامي، عوض التقسيم البنيوي الشكلي العام للجملة؛ فتعتمد نظرية الوجهة الوظيفية للجملة على ترتيب الكلمات؛ فيكون الترتيب العادي للكلمات في الجملة الخبرية، منطلقا من ذكر الموضوع أولا، ثم ذكر المحمول بعده (المحور)، ويسمى هذا الترتيب التسلسلي للكلمات ترتيبا موضوعيا، فهو المنظور أو الوجهة الوظيفية الموضوعية للجملة، إلا أنه قد تبرز ضرورة ذاتية انفعالية للمتكلم، تجعله يعكس الترتيب فيبدأ بالمحمول، ثم يضيف بعده الموضوع، ويسمى هذا القلب بالترتيب الذاتي، وهو المنظور أو الوجهة الوظيفية الذاتية، وهو ترتيب طبيعي في الجمل الاستفهامية و التعجبية( ).

بنية الجملة وأنماطها في النحو الوظيفي

يرى النحو الوظيفي أن بنية الجملة هي البنية الأساس، وأن بنية النص ليست إلا إسقاطا لبنية الجملة، ويرى سيمون ديك أن النحو الوظيفي لا يمكن أن يكون نحو جملة؛ وذلك نظرا لتوجهه الوظيفي التداولي، ومن هنا فهو نحو خطاب واصفا ومفسرا للملفوظ والمكتوب اللغويين( )؛ فالنحو الوظيفي لا ينظر إلى الجملة إلا بوصفها مرحلة عملية أولية تسبق النص وتمهد له، وعلى هذا فقد أشار ديك إلى الانتقال بالنحو الوظيفي من نحو الجملة إلى نحو النص، ويقوم مشروع النحو الوظيفي النصي على مرتكزات أهمها:

• التواصل بين مستعملي اللغة الطبيعية لا يتم عن طريق جمل منفردة، وإنما يتم بواسطة نصوص كاملة.

• النص ليس سلسلة اعتباطية من الجمل المرصوف بعضها جانب بعض، وإنما هو مجموعة من الجمل البسيطة والمركبة تشكل وحدة تواصلية تربط بينها قوانين الاتساق.

• البنية الداخلية للجملة يحددها النص الذي ترد فيه؛ لأن بنية النص لا تختلف عن بنية الجملة بل تناظرها، فكل منهما تتضمن مستويين؛ المستوى العلاقي وفيه طبقتان؛ طبقة إنجازية، وطبقة وجه، والمستوى التمثيلي وفيه ثلاث طبقات؛ طبقة التأطير، وطبقة التسوير، وطبقة الوصف، كما أن للنص نواة( ) فإن للجملة نواة( ) كذلك.

النص كالجملة ينقسم إلى وحدات ووحداته عبارة عن قطع وقطع فرعية وفقرات، تقوم بين وحدات النص علاقات يحددها نمط النص فهي تناظر العلاقات القائمة بين وحدات الجملة وتقوم بالأدوار التي تقوم بها الحدود في الجملة.

أنواع الجمل في النحو الوظيفي:

الجمل في النحو الوظيفي نوعان؛ وذلك بحسب عدد الحمول التي تتضمنها وتحتويها.

الجملة البسيطة:

وهي الجمل التي تحمل حملا واحدا، وقد سبقت الإشارة إليها.

الجملة المركبة:

وهي الجملة المتضمنة لأكثر من حمل واحد( )، وبحسب ترابط الحمول التي تتضمنها يمكن تقسيم الجمل المركبة إلى؛ جمل مستقلة، وجمل مدمجة.

أنماط الجمل في النحو الوظيفي:

الجمل المدمجة:

وهي التي يشكل فيها كل حمل حدا موضوعا أو لاحقا بالنظر إلى الحمل الرئيسي، مثل:

بلغني أنك مسافر.

يتمنى خالد أن يعود أخوه من السفر.

فالجملة الأولى تتضمن حملين؛ الحمل الأول (بلغني)، والحمل الثاني (أنك مسافر)، وكذلك الأمر مع الجملة الثانية حيث أن (يتمنى خالد) الحمل الأول، بينما (أن يعود أخوه من السفر) الحمل الثاني.

وعليه فإن الحمل الثاني من الجملتين أخذ مكان حد من الحدود، وبالتالي فهو يأخذ وظيفة من الوظائف الثلاثة المعروفة لدينا (دلالية، تركيبية، تداولية)؛ وعلى هذا يصبح لدينا في الجمل المدمجة حمل رئيسي، وحمل مدمج.

تنقسم الحمول المدمجة إلى حمول تشكل حدودا، وحمول تشكل أجزاء للحدود، مثل:

يتمنى خالد أن يعود أخوه من السفر.

قرأت الكتاب الذي أعرتني بالأمس.

فالحمل المدمج (أن يعود أخوه من السفر) يشكل حد المفعول بالنسبة للمحمول الرئيسي، والحمل المدمج (الذي أعرتني بالأمس) يشكل جزء من حد المفعول.

الحمول الحدود تنقسم بدورها إلى حمول موضوعات، وحمول لواحق، مثل:

تمنيتُ أن تنجح في امتحان.

غادرت المدينة قبل أن تغرب الشمسُ.

فالحمل المدمج (أن تنجح في الامتحان) حد موضوع بالنسبة للحمل الرئيسي، بينما الحمل المدمج (أن تغرب الشمسُ) حد لاحق بالنسبة للحمل الرئيسي( ).

الجمل غير المدمجة (المستقلة):

وهي التي تتضمن حمولا لا تشكل حدودا بالنسبة للحمل الرئيسي، فهي مستقلة عن بعضها البعض( ).

ويمثل هذا النوع من الجمل في النحو الوظيفي؛ الحمول الاعتراضية، والحمول المتعاطفة، المتضمنة لحمل مبتدأ، والمتضمنة لذيل، مثل:

قال رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ بني الإسلام على خمس…

قام عمر وأغلق باب الغرفة.

قال الله تعالى: وأن تصوموا خير لكم

قال الله تعالى: هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله…

الحمول الموصولية:

هي التي تشكل جزء من حدود أو حدا من حدود الحمل الرئيسي، وتنقسم إلى قسمين؛ مدمجة؛ وهي نمطان؛ حمول موصولية حرة، وحمول موصولية تقييدية، ومستقلة (غير مدمجة)؛ وهي حمول موصولية غير تقييدية( ).

الحمول الموصولية الحرة:
هي التي تشكل حدا من حدود الحمل المدمجة فيه؛ وهي التي لا رأس لها (مركب اسمي)؛ فقد تكون فاعلا، أو مفعولا، كما في الجمل الآتية:

وقع الذي تمنيت أن يقع.

قابلت من كنت انتظر.

الحمول الموصولية التقييدية:

وهي الحمل الذي يكون مدمجا في الحمل الرئيسي ذات الرأس (المركب الاسمي)؛ فهي تشكل مقيِّدا داخل حد من حدود الجملة التي تتضمنها، مثل:

جاء الرجل الذي انتظرته.

ساءتني اللهجة التي خاطب بها زيد أباه.

الجملة الموصولية غير التقييدية:

وهي الحمل الذي يمتاز بالاستقلال بالنظر إلى الحمل الرئيسي؛ فهي تشكل فعلا خطابيا مستقلا، وبالتالي فهي غير خاضعة للقوة الإنجازية التي خضع لها الحمل الرئيسي( )؛ فقد تكون جملة بدلية، أو ذيلا، مثل:

سُرَّ الطالب، الذي نجح في امتحان التخرج.

زرت محمدا، الذي نجح في الامتحان الأخير.

الحمول الحدود

يطلق مصطلح الحمول الحدود في النحو الوظيفي على تلك الجمل التي تحل محل حد من الحدود آخذة وظيفته الدلالية، أو وظيفته التركيبية، أو وظيفته التداولية. كما يحتل الحمل الحد المواقع نفسها التي يمكن أن يحتلها الحد الاسم، وهو بذلك ينزع إلى احتلال المواقع الأخيرة في الجملة، ولو اقتضت وظيفته التركيبية أو التداولية تقديمه( ).

وظائف الحمول الحدود:

تأخذ الحمول الحدود عادة الوظائف التي تسند إلى الحدود البسيطة( )، فيمكن للحمل الحد أن يحمل:

الوظيفة دلالية (القوة)، كقولنا: سرّ المعلمَ أن ينجح طلابه في الامتحان.

والوظيفة الدلالية (المنفذ)، كقولنا: قتل بكرا الذي هدده بالأمس.

والوظيفة الدلالية (المتقبل)، كقولنا: طلب خالد من محمد أن يزوره.

والوظيفة الدلالية (المستقبل)، كقولنا: أعطيت الذي زارني أمس كل ما يحتاج.

ووظيفة الحد اللاحق (الزمان)، كقولنا: غادر الولد القاعة قبل أن يصل أباه.

ووظيفة الحد اللاحق (العلة)، كقولنا: عاد الرجل من السفر لأنه أخبر بنبإ عاجل.

ووظيفة الحد اللاحق (الهدف)، كقولنا: خرجت العائلة إلى المنتزه كي تتنزه.

وتسند إلى الحمل الذي يقوم مقام الحد الموضوع إحدى الوظيفتين التركيبيتين (الفاعل، والمفعول)، كما في الجمل الأتية:
سرّ المعلمَ أن ينجح طلابه في الامتحان.

فالحمل (أن ينجح طلابه في الامتحان) أسندت إليها وظيفة الفاعل.

وجملة: طلب خالد من محمد أن يزوره.

فالحمل (أن يزوره) أسندت إليه وظيفة المفعول.

كما تسند الوظائف التداولية إلى الحمول التي تقوم مقام الحدود التي تحمل الوظائف التداولية، فيمكن للحد أن يحمل:
الوظيفة التداولية (المحور)، كما في قولنا: فرح (الذي تحصل على علامة جيدة).

والوظيفة التداولية (البؤرة)، كما في قولنا: أفرح الولدَ (أنّ أباه اشترى له لعبة العيد)( ).

الحمولة الإنجازية في نظرية النحو الوظيفي

مفهوم الحمولة الإنجازية

هي ما يواكب عبارة لغوية ما من قوى إنجازية (دلالات) باعتبار الطبقات المقامية التي يمكن أن تنجز فيها تلك العبارة. وهي قوتان؛ قوة إنجازية حرفية، وقوة إنجازية مستلزمة.

القوة الإنجازية الحرفية

هي التي تلازم العبارة اللغوية في مختلف المقامات التي ترد فيها( )، وبمعنى آخر هي السمات الصورية (صرفية، وتركيبية، وتنغيمية) التي تأتي عليها العبارة اللغوية؛ فهي تؤخذ من صيغة العبارة مباشرة، والتي تُسهم في الإخبار عنها مكوناتُها متضامةً( )، أو هي الأفعال الكلامية الصريحة المباشرة الدالة على الغرض من كلام المتكلم إخبارا أو طلبا.

القوة الإنجازية المستلزمة

هي التي تدخل على العبارة اللغوية في مقام معين؛ حيث لا يتم تولّدها إلا في طبقات مقامية معينة، فهي تزيد على الخاصية الحرفية وضعا مقاميا( )، أو هي الأفعال الكلامية غير المباشرة التي تتولد عن استعمال أساليب وعبارات للدلالة على غيرها.
فالفرق بين القوتين يكمن في أن القوة الإنجازية الحرفية تدل عليها صورة العبارة، سواء كانت منطوقة أم مكتوبة، أما القوة الإنجازية المستلزمة فتحتاج إلى سلسلة من الاستدلالات التي يقوم بها المخاطب كي يستنتج مقصود المتكلم. ونورد في هذا المقام المثالين الآتيين للتوضيح:

مَنْ في البيت؟

هل تصاحبني إلى الحديقة؟

فالمثال الأول مجرد سؤال عَمَنْ في البيت، فحمولتها الإنجازية هنا هي مجرد السؤال، أما في المثال الثاني فيفهم منه أن هناك التماسا يطلبه المتكلم من المخاطب.

كما في قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ﴾ [آل عمران 8]، في الآية الكريمة نجد فعلين كلاميين الأول يفيد النهي (لا تزغ)، والثاني يفيد الأمر(هب)، وهذا الكلام المباشر ليس هو المقصود من المؤمنين، وهو ما جعل القوة الإنجازية الحرفية للنهي والأمر مستبعدة لغياب شرط الاستعلاء، وحلّت محلها قوة إنجازية مستلزمة (فعل كلامي غير مباشر) تُفهم من سياق الكلام وهي الطلب والدُّعاء؛ فأصبح للفعل الكلامي (ربنا لا تزغ قلوبنا) فعلان كلاميان؛ الأول مباشر وهو القوة الإنجازية الحرفية للنهي، والثاني غير مباشر وهو القوة الإنجازية المستلزمة، ونفس الشيء مع الفعل الكلامي (هب لنا من لدنك رحمة) حيث نجد فعلين كلاميين الأول مباشر وهو القوة الإنجازية الحرفية للأمر، والثاني غير مباشر وهو القوة الإنجازية المستلزمة، التي تفهم من سياق الكلام وهي الطلب والدُّعاء، وكل فعل كلامي يُنجز عبر ثلاثة أفعال مترابطة هي:

الفعل الكلامي: وهو فعل القول المتلفظ به في سياق لغوي تواصلي متعارف عليه.

الفعل التكلمي: وهو الفعل الإنجازي الذي يقوم به المتكلم أثناء تلفظه، ويمثل الغرض من التلفظ (إخبارا، أو أمرا، أو استفهاما، أو تعجبا)

الفعل التكليمي: وهو الأثر الذي يُحدثه التكلم أو التلفظ لدى المخاطب كأن يُصدِّق الخبر أو يُكذِّبه، ويستجيب أو يرفض.
وتظل القوة الإنجازية المستلزمة مختلفة عن القوة الإنجازية الحرفية في ثانويتها، وفي كونها مرتبطة مقاميا، كما أنها تظل متحفظة ما لم تتعرض لظاهرة التحجر( ).

ظاهرة التحجّر والقوة الإنجازية المستلزمة

قد يحصل عبر التطور اللغوي أن يتغير وضع القوتين الحرفية والمستلزمة؛ بحيث تصبح القوة الثانية تعدِل أو تفوق أهمية القوة الأولى٬ مثلا:

هل تستطيع أن تناولني الملح؟

ألم أنذرك؟

إن الجملة الأولى تواكبها قوتان إنجازيتان: قوة إنجازية حرفية، وقوة إنجازية مستلزَمة، وهما على التوالي “السؤال”، و”الالتماس”.
وهي بهذه السمة٬ تساير الجملة الثانية في الأمثلة السابقة في الحديث عن حمولتها الإنجازية، إلا أن ثمة فرقا واضحا بين الجملتين يكمن في أن العلاقة بين قوتي جملة (هل تستطيع أن تناولني الملح؟) ليست العلاقة بين القوتين اللتين تواكبان جملة (هل تصاحبني إلى الحديقة؟). فالقوة المستلزمة “الالتماس” في جملة (هل تستطيع أن تناولني الملح؟) ليست ثانوية بالنسبة للقوة الحرفية “السؤال”، بل إنها تضارعها٬ على الأقل٬ من حيث الأهمية بالنظر إلى التأويل العام للجملة. لذلك يمكن أن نقول إن للجملة (هل تستطيع أن تناولني الملح؟)٬ بخلاف الجملة (هل تصاحبني إلى الحديقة؟)٬ قوة إنجازية حرفية، وقوة إنجازية مستلزمة أصبحت بالتداول من الأهمية بحيث يمكن عدُّها قوة حرفية ثانية. ومن الملحوظ أن ظاهرة انتقال القوة المستلزمة من وضع قوة ثانوية إلى وضع قوة أساسية٬ تُشكّل نزوعا عاما بالنسبة للتراكيب المتضمنة للمحمولات التي من قبيل “استطاع” ولئن كانت القوة الإنجازية المستلزمة تعدل أهمية ًالقوة الإنجازية الحرفية في الجملة (هل تستطيع أن تناولني الملح؟)، فإنها في الجملة (ألم أنذرك؟) تكاد تكون القوة الحرفية الوحيدة؛ فالذي يتبادر إلى الفهم من الجملة هو الإخبار المثبت٬ على أساس أنها ترادف (لقد أنذرتك)٬ لا السؤال( ).

وعليه فإن القوة الإنجازية المستلزمة تفقد سمَتها بالتدريج عبر التطور اللغوي؛ حيث تصبح معنى معمَّما يواكب ذلك التركيب في جميع مقامات إنجازه٬ وتصبح بذلك قوة “إنجازية حرفية” لا تقل أهمية عن القوة الإنجازية الحرفية الأصل.

ومنه فإن القوة الإنجازية الناتجة عن استلزام مقامي معين قد تتعرض كباقي جوانب العبارات اللغوية لظاهرة ما يمكن تسميته “التحجُّر”، الذي قد يقف عند هذه المرحلة؛ مرحلة توارد قوتين إنجازيتين على التركيب الواحد٬ إحداهما قوة حرفية أصلية، والثانية قوة مستلزمة اكتسبت عبر الاستعمال وضع القوة الحرفية٬ وقد يستمر حتى يبلغ منتهاه في هذه الحالة٬ تصبح القوة الحرفية الأصلية شبه منعدمة٬ وتنفرد بذلك القوة المستلزمة بتشكيل الحمولة الإنجازية للعبارة.

إن ظاهرة التحجر تشكّل حين يتعلق الأمر بالقوة الإنجازية المستلزمة مسلسلا مدرَّج التحقق، وأهم مراحله مرحلتان:

1. مرحلة تنتقل فيها هذه القوة من وضع قوة مستلزَمة رهينة بمقتضيات المقام إلى قوة حرفية تلازم القوة الحرفية الأصل أوتماثلها أهمية إن لم تفُقْها.

2. مرحلة تنسحب فيها القوة الحرفية الأصل انسحابا يكاد يكون كليا تاركة للقوة المستلزمة فرصة التفرد بتشكيل مجال العبارة الإنجازي.

بين القوة الإنجازية والنمط الجملي

كثيرا ما يلتبس علينا الأمر فلا نميّز بين الحمولة الإنجازية للعبارة اللغوية، والنمط الجملي الذي تنتمي إليه؛ فالنمط الجملي يشمل (خبر، استفهام، أمر، تعجب) أما الحمولة الإنجازية فهي تلك الدلالات (القوى الإنجازية) التي تواكب الجملة.

فالتنميط الجملي أربعة كما سبق، وقد يدل على قوة إنجازية مضافة حسب السياق والمقام الذي ترد فيه العبارة، نأخذ هذه العبارات:

يسعدني أن أراك كل يوم.

إن السماء تنذر بالمطر.

رب أجرني من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

أعرني كتابك الليلة.

اقض معي عطلة الصيف.

هل تقضي معي عطلة الصيف؟

يسرني أن تقضي معي عطلة الصيف.

ما أجمل أن تقضي معي عطلة الصيف!

لكل عبارة من هذه العبارات السابقة نمط يختلف عن نمط العبارة الأخرى؛ فالعبارتان الأولى والثانية خبريتان إلا أنهما تحملان قوة إنجازية مستلزمة هي على التوالي: الدعوة، والإنذار.

أما العبارات الثالثة والرابعة والخامسة فهي على نمط الأمر، وتحمل قوة إنجازية تضاف إلى صيغتها النمطية متمثلة في القوة الإنجازية المستلزمة على التوالي كالآتي: الدعاء، والالتماس.

أما العبارات السادسة والسابعة والثامنة فكلها تحمل قوة إنجازية مستلزمة واحدة هي الالتماس، إلا أن تنميطها مختلف من استفهام وخبر وتعجب. الملاحظ إذن أن أنماط العبارات غير القوة الإنجازية المستلزمة التي تحملها العبارة، ومما سبق نستلخص الآتي:

1. يندرج في مجال مخصص الجملة النمط الجملي الذي تنتمي إليه من ناحية (خبر، استفهام، أمر، تعجب)، والحمولة الإنجازية (أي مجموع القوى الإنجازية) التي تواكبها من ناحية أخرى.

2. القوة الإنجازية قوتان؛ قوة حرفية، وقوة مستلزمة مقاميا.

3. قد يواكب العبارة اللغوية الواحدة أكثر من قوة إنجازية مستلزمة.

4. تختلف القوة المستلزمة عن القوة الحرفية في ثانويتها، وفي كونها مربوطة مقاميا، وتظل محتفظة بهاتين السمتين ما لم تتعرض لظاهرة التحجر.

5. يكون التحجر بالنسبة للقوة الإنجازية المستلزمة إما جزئيا أو تاما، جزيئا حيث تصبح القوة الإنجازية المستلزمة غالبة إلا أنها لا تمنع حضور القوة الإنجازية الحرفية، وتاما حيث يبلغ التحجر منتهاه وتصبح القوة الإنجازية الحرفية غير واردة وتحل محلها القوة الإنجازية المستلزمة( ).

الهوامش والاحالات

ــ ينظر: الوظيفة بين الكلية والنمطية، أحمد المتوكل، دار الأمان للنشر والتوزيع، الرباط، المملكة المغربية، ط: 01، 1424هـ ــ 2003م، ص:97.
ــ ينظر: نحو نظرية وظيفية للنحو العربي، ص: 43.
ــ ينظر: نحو نظرية وظيفية للنحو العربي، ص: 44، نقلا عن: الموجز في شرح دلائل الإعجاز في علم المعاني، جعفر دك الباب مطبعة الجليل، دمشق، ط: 1، 1980م، ص: 117 ـــ 119.
ــ ينظر: الوظيفة بين الكلية والنمطية، أحمد المتوكل، دار الأمان للنشر والتوزيع، الرباط، المملكة المغربية، ط: 01، 1424هـ ــ 2003م، ص:97.
ــ النواة في النص هي مجموع محمولات الجمل التي تكون النص.
ــ النواة في الجملة هي محمول (فعل، اسم، صفة…).
ــ المنحى الوظيفي في الفكر اللغوي العربي، ص: 104.
ــ ينظر: اللسانيات الوظيفية…، ص: 235 ــ 236، والمنحى الوظيفي…، 104.
ــ ينظر: اللسانيات الوظيفية…، ص: 235.
ــ اللسانيات الوظيفية…، ص: 236.
ــ ينظر: اللسانيات الوظيفية…، ص: 237، ونحو اللغة العربية الوظيفي…، ص: 332.
ــ ينظر: اللسانيات الوظيفية…، ص: 245.
ــ اللسانيات الوظيفية، ص: 239.
ــ يحمل الحمل وظيفة البؤرة الجديد إذا كان مصدرا بأدوات مؤكِدة (إن، قد، إنما) ينظر الوظائف التداولية…، ص: 32.
ــ ينظر: آفاق جديدة في نظرية النحو الوظيفي، أحمد المتوكل، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، جامعة محمد الخامس، الرباط، المملكة المغربية، ط: 01، 1993م، ص: 23.
ــ ينظر: نحو اللغة العربية الوظيفي، ص: 559.
ــ ينظر: نفسه، ص: 23.
ــ ينظر: آفاق جديدة في نظرية النحو الوظيفي، ص: 29.
ــ آفاق جديدة في نظرية النحو الوظيفي، ص:25.
ــ آفاق جديدة في نظرية النحو الوظيفي، ص: 28 ــ 29.

قائمة المصادر والمراجع

القرآن الكريم برواية ورش عن نافع.

1. آفاق جديدة في نظرية النحو الوظيفي، أحمد المتوكل، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، سلسلة بحوث ودراسات رقم 5، المملكة المغربية، ط: 01، 1993م.
2. الألسنية التوليدية التحويلية وقواعد اللغة العربية (النظرية الألسنية)، ميشال زكرياء، المؤسـسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط: 1، 1982م.
3. أهم المدارس اللسانية، عبد القادر المهيري وآخرون، منشورات المعهد القومي لعلوم التربية، تونس، ط: 2، 1990م.
4. البناء الموازي: نظرية في بناء الكلمة و بناء الجملة، عبد القادر الفاسي الفهري، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، ط: 1، 1990م.
5. تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب، محمد المختار ولد اباه، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط: 2، 1429هـ ــ 2008م.
6. التداولية عند العلماء العرب، مسعود صحراوي، دار التنوير، الجزائر، ط: 1، 1429هـ ــ 2008م، ص: 18.
7. التركيبات الوظيفية قضايا ومقاربات، أحمد المتوكل، مكتبة دار الأمان، الرباط، المملكة المغربية، ط: 01، 1426هـ ــ 2005م.
8. الجملة البسيطة، ميشال زكرياء، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط:1، 1983م.
9. الخطاب وخصائص اللغة العربية دراسة في الوظيفة والبنية والنمط، أحمد المتوكل، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان، ط: 01، 1431هـ ــ2010م.
10. دروس في التركيب، محمد الشكيري، دار الأمان للنشر والتوزيع، الرباط، ط: 1، 1426هـ ــ 2005م، ص: 14.
11. في نحو اللغة العربية وتراكيبها: منهج وتطبيق، عمايرة خليل أحمد، عالم المعرفة للنشر والتوزيع، جدّة، د ط، 1984م.
12. قضايا أساسية في علم اللسان الحديث، مازن الوعر، دار طلاس، دمشق، ط: 1، 1988م.
13. قضايا اللغة العربة في اللسانيات الوظيفية، أحمد المتوكل، دار الأمان، الرباط، 1995م.
14. اللسانيات الوظيفية، أحمد المتوكل، دار الكتاب الجديد المتحدة، بنغازي، ليبيا، ط: 02، 2010م.
15. اللسانيات واللغة العربية، عبد القادر الفاسي الفهري، دار توبقال، الدار البيضاء، المغرب، د ط، 1985م.
16. محاضرات في المدارس اللسانية المعاصرة، نعمان بوقرة، منشورات جامعة باجي مختار، عنابة، د ط، 2006م.
17. المعجم العربي، عبد القادر الفاسي الفهري، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 1986م.
18. من البنية الحملية إلى البنية المكونية: الوظيفة المفعول، أحمد المتوكل، دار الثقافة، الدار البيضاء، المملكة المغربية، د ط، 1987م.
19. المنحى الوظيفي في الفكر اللغوي العربي الأصول والامتداد، أحمد المتوكل، دار الأمان، الرباط، المملكة المغربية، ط: 01، 1427هـ 2006م.
20. نحو اللغة العربية الوظيفي في مقاربة احمد المتوكل، عبد الفتاح الحموز، دار جرير للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، طك 01، 1433هـ ــ 2012م.
21. نحو نظريّة لسانية عربية حديثة لتحليل التراكيب الأساسية في اللغة العربية، مازن الوعر، دار طلاس، دمشق، د ط، 1987م.
22. نحو نظرية وظيفية للنحو العربي، يحيى بعيطيش، أطروحة دكتوراه، جامعة منتوري قسنطينة، 2006م.
23. النحو الوظيفي، (السنة الثالثة) صالح بلعيد، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، د ط، 1974م.
24. الوظائف التداولية في اللغة العربية، أحمد المتوكل، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، المملكة المغربية، ط: 01، 1405هـ ــ 1985م.
25. الوظيفة بين الكلية والنمطية، أحمد المتوكل، دار الأمان للنشر والتوزيع، الرباط، المملكة المغربية، ط: 01، 1424هـ ــ 2003م.

د. منير بن الحاج عريوة – جامعة بومرداس – الجزائر

تعليقات