حوار | الدكتور عبد اللطيف أيت عمي: انفرد المسلمون بعلم مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل

قئة المقال:حوارات

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

حوار | الدكتور عبد اللطيف أيت عمي: انفرد المسلمون بعلم مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل

حاوره الدكتور عبد الالاه بالقاري

يتشرف مركز ضياء للمؤتمرات والأبحاث، أن يجري حوارا علميا مع فضيلة الدكتور عبد اللطيف أيت عمّي أستاذ السنة النبوية وعلومها بجامعة القاضي عياض كلية الآداب والعلوم الإنسانية شعبة الدراسات الإسلامية، في موضوع حيوي يرتبط بالحديث النبوي الشريف وقضاياه.

س ـ تحظى عملية تدوين السنة النبوية الشريفة بمكانة متميزة من حيث مكانتها وقيمتها والأهمية التي تكتسبها، في نظركم ما هي المقاصد التي طمح أرباب الحديث إلى تحقيقها من وراء هذه العملية؟

قبل الجواب على سؤالكم أريد أن أشير إلى أن الحديث في اصطلاح المحدثين يرادف السنة عند جمهورهم، وهي كل ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، أو صفة خلقية أو خلقية، أو سيرة سواء أكان ذلك قبل البعثة كتعبده في غار حراء أم بعدها، ولكنه إذا أطلق لفظ الحديث انصرف في الغالب إلى ما يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد النبوة، من قوله وفعله وإقراره.

والسنة في العرف الخاصّ، تعني اتفاق طائفة مخصوصة على جعل المعيّن يطلق عليه اسم معين. ولما انفصلت العلوم الإسلامية عن بعضها واستقلّت، تواضع أهل كلّ علم من العلوم على أسماء معيّنة لأمور معيّنة. وقد يحصل أن تتفق العلوم على استعمال كلمة، لكنّها تختلف في المعنى المراد بها، ككلمة السنة مثلا، التي تعني عند المحدثين غير ما تعنيه عند الأصوليين. فالمحدّث يعني بالسّنة غير ما يعنيه الأصولي والفقيه؛ لأنّ غرضه منها غير غرضهما. فغرض المحدث هو جمع الأحاديث النبوية بأسانيدها إلى رسول الله صلّى عليه وسلم لبيان درجة الحديث.

فقد وردت آثار صحيحة تدل على أنه قد وقع كتابة شيء من السنة في العصر النبوي، ولكن هذا التدوين والكتابة كان بصفة خاصة، و ثبت أن بعض الصحابة كانت لهم صحف خاصة يدونون فيها بعض ما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كصحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص التي كان يسميها بالصادقة، إلى غير ذلك من القضايا المتعددة التي تدل على وقوع الكتابة في عهده عليه الصلاة والسلام .فقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تدون السنة تدويناً كاملاً كما دون القرآن .

ثم جاء عهد الخلفاء الراشدين، فلم يدونوا الحديث في الصحف كراهة أن يتخذها الناس مصاحف يضاهون بها صحف القرآن ، وأحجموا عن كتابة السنة وتدوينها مدة خلافتهم، حتى إن عمر رضي الله عنه فكّر في أول الأمر في جمع السنة فاستفتى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأشاروا عليه بأن يكتبها، فاستخار الله ثم عدل عن ذلك، فقال: “إني كنت أريد أن أكتب السن، وإني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً، فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبداً”، وكان هذا الرأي من عمر متناسباً مع حالة الناس في ذلك الوقت، لأن عهدهم بالقرآن كان لا يزال حديثاً.

وهكذا انقضى عصر الصحابة ولم يُدَوَّن من السنة إلا القليل، حتى جاء عصر الخليفة  عمر بن عبد العزيز رحمه الله  فأمر بجمع الحديث لدواع اقتضت ذلك، بعد حفظ الأمة لكتاب ربها، وأمنها عليه أن يشتبه بغيره من السنن.

إن عملية تدوين السنة النبوية الصحيحة المروية عن النبي عليه الصلاة والسلام قد ساهمت في المحافظة على الدين من التزوير والتزييف الذي وقع في ديانات أخرى، من خلال تبني القواعد والمبادئ التي تعتمد على صحة المتن والسند. ومعرفة الكثير من الأحكام الفقهية والشرعية التي لم يرد فيها نص قرآني قطعي. وبالتدوين تم التفريق بين أنواع الأحاديث الصحيحة والموقوفة والمرفوعة والمقطوعة والضعيفة والموضوعة ودرجة الحديث.

س ـ يرتبط بعملية تدوين السنة النبوية كتابة الحديث الشريف وتصنيفه، هل هناك فروق بين الكتابة والتدوين؟

من المعلوم أن الكتابة غير التدوين، فالكتابة مطلق خط الشيء دون مراعاة لجمع الأحاديث المكتوبة في إطار يجمعها. أما التدوين فمرحلة تالية للكتابة ويكون بجمع الأحاديث المكتوبة بأسانيدها في ديوان يحفظها .

س ـ ما هي الإجراءات العلمية التي اتخذها المحدثون رحمهم الله من أجل تمييز صحيح السنة من سقيمها؟

انفرد المسلمون بعلم مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل، لغربلة الحديث المروي والتعرف على الحديث النبوي الثابت الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، عن طريق السند المنقول والرواية الصادرة من الراوي والمنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

ومما خص الله عز وجل به هذه الأمة: الإسناد، نقل الثقة، عن الثقة حتى يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم. هذه الخصيصة انفردت بها هذه الأمة، وامتازت بها عن غيرها من الأمم. روى الخطيب البغدادي عن محمد بن حاتم بن المظفر أنه قال: ” ِنَّ اللهَ أَكْرَمَ هَذِهِ الأُمَّةَ وَشَرَّفَهَا وَفَضَّلَهَا بِالإِسْنَادِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الأُمَمِ كُلِّهَا – قَدِيمِهِم وَحَدِيثِهِم- إِسْنَادٌ، وَإِنَّمَا هِيَ صُحُفٌ فِي أَيْدِيهِم، وَقَدْ خَلَطُوا بِكُتُبِهِم أَخْبَارَهَم. وَلَيْسَ عِنْدَهُم تَمْيِيزٌ بَيْنَ مَا نَزَلَ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ -مِمَّا جَاءَهُم بِهِ أَنْبِيَاؤُهُم – وَتَمْيِيزٌ بَيْنَ مَا أَلْحَقُوهُ بِكُتُبِهِم مِنَ الأَخْبَارِ الَّتِي أَخَذُوا عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ”[1].

وقال سُفْيَانَ الثوري: الإسناد سلاح المؤمن فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِلاَحٌ فَبِأَيِّ شَيْءٌ يُقَاتِلُ[2].

وقال ابن المبارك: “الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء”[3]. وقال أيضًا: “مثل الذي يطلب أمر دينه بلا إسناد كمثل الذي يرتقي السطح بلا سلم”[4].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “علم الإسناد والرواية مما خص الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وجعله سُلَّماً إلى الدراية، فأهل الكتاب لا إسناد لهم يأثرون به المنقولات، وهكذا المبتدعون من هذه الأُمَّة أهل الضلالات، وإنما الإسناد لِمَنْ أعظم الله عليه المِنَّة، أهل الإسلام والسُّنَّة، يُفرقون به بين الصحيح والسقيم، والمُعْوَجِّ والقويم … “[5].

س. ما هي أقسام الحديث من حيث قوته وضعفه ؟

الحديث ينقسم من حيث قوته وضعفه إلى:

أ ـ مقبول توفرت فيه جميع شروط القبول.

ب ـ مردود لم تتوفر فيه تلك الشروط أو بعضها.

ويندرج تحت كل من هذين القسمين أنواع كثيرة تتفاوت قوة وضعفا بتفاوت أحوال الرواة والمرويات وقد اصطلح المحدثون على تقسيم الحديث ثلاثة أقسام [6]:

أ ـ حديث صحيح.

ب ـ حديث حسن.

ج ـ حديث ضعيف.

ومن أمعن النظر في هذا التقسيم وقف على مدى قوة حساسية ميزان النقد عند المحدثين، وأن تقسيمهم هذا شمل علم الحديث سندا ومتنا.

والحديث إما مقبول، وإما مردود.

1 ـ المقبول وأقسامه

الحديث المقبول: هو ما ترجح صدقه على كذبه، بحيث يصلح للاحتجاج به، والعمل بموجبه. قال الحافظ ابن حجر: المقبول من أخبار الآحاد هو ما يجب العمل به عند الجمهور[7].

والمقبول: إما أن يشتمل من صفات القبول على أعلاها، أو لا.

والأول: الصحيح.

والثاني: الحسن. وأنواع الحديث المقبول أربعة، وهي:

1 ـ الحديث إذا توفر على أعلى صفات القبول كان صحيحا لذاته.

2 ـ الحديث إذا لم تتوافر فيه أعلى صفات القبول كأن يكون راويه العدل غير تام الضبط، فإذا عضده طريق آخر يكون صحيحا لغيره، لأنه صح لأمر أجنبي عنه.

3 ـ الحديث إن خف ضبطه عن ضبط الصحيح مع توفر باقي شروط الصحيح فهو الحسن لذاته.

4 ـ الحديث إذا كان في إسناده مستور[8] لم تتحقق أهليته، وليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه، ولا متهما بالكذب، ولا بسبب آخر مفسق، وتعددت طرقه فهو حسن لغيره .

فاتضح مما سبق أن الحديث المقبول ينقسم إلى: صحيح وحسن. وكل منهما ينقسم قسمين: فصارت أقسام الحديث المقبول أربعة.

شروط الحديث المقبول:

شروط الحديث المقبول خمسة، وهي:

1 ـ اتصال السند، فيخرج المنقطع، والمعضل، والمعلق والمدلس، والمرسل وغيرهم مما لم يتوافر فيه شرط الاتصال، أي لانقطاع سلسلة الإسناد بسقوط راو أو أكثر.

2 ـ عدالة الراوي، تثبت عدالة الراوي بأن ينص عليها واحد من العلماء المعروفين بالبحث عن أحوال الرواة… وهذا في غير من استفاضت عدالتهم واشتهروا بالتوثيق والاحتجاج بهم بين أهل العلم، وشاع الثناء عليهم.

3 ـ ضبط الراوي: والضبط هو تيقظ الراوي حين تحمله، وفهمه لما سمعه وحفظه لذلك من وقت التحمل إلى وقت الأداء، أي أن يكون حافظا عالما بما يرويه إن حدث من حفظه، فاهما إن حدث على جهة المعنى، وحافظا لكتابه من دخول التحريف أو التبديل والنقص عليه إن حدّث من كتابه، وفي هذا احتراز عن حديث المغفل وكثير الخطأ.

4 ـ عدم شذوذ المروي، والشذوذ هو مخالفة الثقة من هو أرجح منه[9].

5 ـ سلامة المروي من علة قادحة، كإرسال موصول، أو وصل منقطع، أو رفع موقوف، ونحو هذا مما هو مبين في علم الحديث[10].

ثم إن الضبط ثلاث درجات [11]:

1 ـ عليا

2 ـ وسطى

3 ـ دنيا

فإن استوفى الحديث كل الشروط المطلوبة، وكان في الدرجة العليا من الضبط كان حديثا صحيحا، وإن استوفى الحديث كل الشروط وكان في الدرجة الوسطى أو الدنيا كان حديثا حسنا. وإن فقد أحد الشروط الخمسة سمّي ضعيفا، لكن الضعيف منه معتبر به، ومنه غير معتبر به، فإذا فقد الاتصال أو فقد الضبط أو إذا لم تثبت عدالة الراوي بأن كان مجهول العين أو مجهول الحال، كل ذلك يكون فيه الحديِث ضعيفا، لكنه لم يفقد صفة الاعتبار به، بحيث إذا قوي بغيره: بمثله أو أعلى منه، أو أقل منه وتعدد؛ فإنه يرتفع من الضعيف إلى الحسن لغيره .

كما أن الحسن لذاته إذا تقوى بمثله، أو أصح منه، أو أقل منه، وتعدد يرتفع إلى درجة الصحيح لغيره.

س. هل اشتهار الأحاديث يستلزم كونها صحيحة؟

لا توجد علاقة تلازم بين اشتهار الحديث وصحته، لأن معيار التمييز بين الصحيح والضعيف ليس بكثرة الطرق، وإنما بصحة الأسانيد حسب المعايير الدقيقة التي وضعها علماء المصطلح في قبول الأخبار أو ردّها. فالشهرة ليست شرطا في صحة الحديث، وكذلك عدد رواته، إذ لا قيمة لذلك العدد إذا لم يكن معه من الصفات ما يجعله صحيحا، فالعدد وحده دون توفر الشروط لا يكفي[12]. وبناء على ذلك، فإن الأحاديث المشهورة قد يكون منها: الصحيح، والحسن، والضعيف.

قال الحافظ ابن كثير: وقد يكون المشهور صحيحا، كحديث “الأعمال بالنيات”، وحسنا، وقد يشتهر بين الناس أحاديث لا أصل لها، أو هي موضوعة بالكلية وهذا كثير جدا[13] .

س. ماهي أقسام المشهور على الألسنة من حيث القبول والرد؟

ينقسم الحديث المشهور من حيث القبول والرد إلى ثلاثة أقسام:

1 ـ مشهور صحيح: من أمثلة المشهور الصحيح على الاصطلاح حديث  (إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ)[14] ، وحديث (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)[15] .

2 ـ مشهور حسن: من أمثلة المشهور وهو حسن حديث ( طلب العلم فريضة على كل مسلم)، وحديث ( لا ضرر ولا ضرار )، وحديث ( العجلة من الشيطان).

3 ـ مشهور ضعيف: من أمثلة المشهور وهو ضعيف: حديث (اطلبوا العلم ولو بالصين)، وحديث (الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ).

2 ـ المردود:

تقدم أن الخبر المقبول هو ما اجتمعت فيه شروط خمسة، وهي:

1 ـ اتصال السند.

2 ـ عدالة الراوي.

3 ـ تمام الضبط.

4 ـ عدم الشذوذ.

5 ـ عدم وجود علة قادحة.

ونتحدث فيما يلي عن “الخبر المردود” وهو أقسام ترجع  إلى سببين رئيسيين:

أ ـ  سقط من الإسناد.

ب ـ طعن في الراوي.

وأي منهما هو خلل حدث من فقدان صفة من الصفات الخمس السابقة في الحديث المقبول فصار ضعيفا.

فالحديث يكون ضعيفا في الأحوال التالية:

1 ـ إذا فقد شرط اتصال السند.

2 ـ إذا فقد شرط العدالة.

3 ـ إذا فقد شرط الضبط.

فأمثلة الأول: المرسل، المعلق، المعضل، المنقطع، المدلس، المعلل.

وأمثلة الثاني: الموضوع، المتروك، المنكر، المطروح.

وأمثلة الثالث: المدرج ، المقلوب، المضطرب، المصحّف.

وسأكتفي بتعريف الحديث الضعيف، وبيان تفاوت مراتبه، وحكم روايته، وحكم العمل به.

إذا كان الخبر المقبول هو: الصحيح والحسن.

فالخبر المردود هو غير الصحيح والحسن، وإذ هو كذلك فهو الذي لم يترجح صدق المخبر به، وهو الضعيف.

فما هو الحديث الضعيف؟

تعريـفـ الحديث الضعيف:

قال ابن الصلاح [16] وتبعه النووي[17] فيه:

الضعيف: كل حديث لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح، ولا صفات الحديث الحسن.

وعرفه ابن حجر بقوله: » كل حديث لم تجتمع فيه صفات القبول «[18].

تفاوت مراتب الضعيف:

والضعيف يتفاوت ضعفه بحسب شدة ضعف رواته، وخفته كما يتفاوت الصحيح، فمنه الضعيف المتماسك، ومنه الضعيف جدا، ومنه الواهي، ومنه المنكر، حتى تصل أنواع الضعيف إلى درجة الموضوع، وهو شر أنواعه.

ومن أنواع الضعيف ما ينجبر بمتابع أو شاهد، ومنه ما لا ينجبر.

أمثلة الحديث الضعيف:

1 ـ قال الترمذي: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيَّ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي خَثْعَمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ عُدِلْنَ لَهُ بِعِبَادَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً”[19]. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي خَثْعَمٍ قَالَ و سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَعِيلَ يَقُولُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي خَثْعَمٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَضَعَّفَهُ جِدًّا. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال ابن عدي: منكر الحديث.

2 ـ قال الترمذي: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَهَنَّادٌ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ وَأَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ قَالُوا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قَالَ قُلْتُ مَنْ هِيَ إِلَّا أَنْتِ قَالَ فَضَحِكَتْ “[20].

قَالَ أَبُو عِيسَى وَإِنَّمَا تَرَكَ أَصْحَابُنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ لِحَالِ الْإِسْنَادِ قَالَ و سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ الْعَطَّارَ الْبَصْرِيَّ يَذْكُرُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قَالَ ضَعَّفَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ هَذَا الْحَدِيثَ جِدًّا وَقَالَ هُوَ شِبْهُ لَا شَيْءَ قَالَ و سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَعِيلَ يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ و قَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَهَا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَيْضًا وَلَا نَعْرِفُ لِإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ سَمَاعًا مِنْ عَائِشَةَ وَلَيْسَ يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ.

3 ـ قال الترمذي: حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَبَهْزُ بْنُ أَسَدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا حَمَادُ بْنُ سَلَمَةِ عَنْ حَكِيمٍ الْأَثْرَمِ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الهُجَيْمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ” مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “[21].

قَالَ أَبُو عِيسَى لَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَكِيمٍ الْأَثْرَمِ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى التَّغْلِيظِ وَضَعَّفَ مُحَمَّدٌ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ قِبَلِ إِسْنَادِهِ وَأَبُو تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ اسْمُهُ طَرِيفُ بْنُ مُجَالِدٍ .

س. ما هو حكم رواية الحديث الضعيف؟

وحكم رواية الحديث الضعيف أنه يجوز عند أكثر أهل الحديث وغيرهم التساهل في رواية الأحاديث الضعيفة، وذلك إذا تعلقت بالمواعظ والقصص، وفضائل الأعمال، وسائر فنون الترغيب والترهيب[22].

أما إذا تعلقت بصفات الله تعالى، وأحكام الشريعة من الحلال والحرام، والبيع، والنكاح والطلاق، وغيرها من الأحكام، فلا يتساهل في رواية الضعيف فيها. ويحرم رواية الموضوع.

قال الخطيب البغدادي: وقد ورد عن غير واحد من السلف أنه لا يجوز حمل الأحاديث المتعلقة بالتحليل والتحريم إلا عمن كان بريئا من التهمة، بعيدا من الظنة. وأما أحاديث الترغيب والترهيب، والمواعظ ونحو ذلك فإنه يجوز كتبها عن سائر المشايخ[23].

وعن سفيان الثوري لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم، الذين يعرفون الزيادة والنقصان. أما في الفضائل فلا بأس بما سوى ذلك أن نأخذه من المشايخ [24].

ومثله قول الإمام أحمد: إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد، وإذا روينا في فضائل الأعمال وما لا يضع حكما، ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد[25].

وقال الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد البر: وأهل العلم بجماعتهم يتساهلون في الفضائل فيروونها عن كل، وإنما يتشدَّدون في أحاديث الأحكام[26].

وهكذا روي التساهل في رواية الأحاديث الضعيفة في غير صفات الله وأحكام الشريعة عن: سفيان الثوري 161هـ، وعبد الله بن المبارك 181هـ، وعبد الرحمن بن مهدى 197هـ، وسفيان بن عيينة 198هـ، وأحمد بن حنبل 241هـ، والخطيب البغدادي 463هـ، وابن عبد البر 463هـ، وابن الصلاح 643هـ، ومحيي الدين النووي 676هـ، وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين[27].

فاتضح من أقوال أئمة الحديث ونقاد رواته أنه يجوز روايتها سوى الموضوع، لكن بهذين الشرطين:

أ ـ أن لا تتعلق بالعقائد كصفات الله تعالى.

ب ـ أن لا تكون في بيان الأحكام الشرعية مما له تعلق بالحلال والحرام .

كيفية رواية الحديث الضعيف:

من روى حديثا ضعيفا بغير إسناد؛ فعليه أن لا يرويه بصفة الجزم، فلا يقول فيه: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  كذا وكذا” وما أشبه ذلك من الألفاظ الدالة على الجزم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك، بل عليه أن يرويه بصيغة تدل على الشك في صحته، فيقول روي عن رسول الله كذا، أو نقل عنه صلى الله عليه وسلم كذا، أو جاء عنه، أو يروى عنه، أو ورد عنه، وما أشبه ذلك. وهذا الحكم فيما تشك في صحته وضعفه[28].

أما رواية الصحيح فلا تجوز بهذه الصيغ التي تدل على الضعف، وإنما تجب روايته بصيغة الجزم[29].

س. ما حكم العمل بالحديث الضعيف؟

اختلف العلماء في العمل بالحديث الضعيف على ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: لا يعمل به مطلقا، لا في الفضائل ولا في الأحكام ، ذكره ابن سيد الناس في عيون الأثر عن يحي بن معين ،ونسبه السخاوي في فتح المغيث[30] لأبي بكر ابن العربي ، والظاهر: أنه مذهب البخاري ومسلم لما عرف من شرطيهما، وهو مذهب الحافظ ابن حزم.

قال ابن رجب الحنبلي: »وظاهر ما ذكره مسلم في مقدمته يقتضي ألا تروى أحاديث الترغيب والترهيب إلا عمن تروى عنه الأحكام، فقد شنع في مقدمة صحيحه على رواة الأحاديث الضعيفة، والروايات المنكرة «[31].

وقال شمس الدين السخاوي: » ومنع ابن العربي المالكي العمل بالضعيف مطلقاً «[32].

المذهب الثاني: أنه يعمل بالحديث الضعيف مطلقا، إذا لم يكن في الباب غيره، وقد عزي هذا المذهب إلى أحمد بن حنبل، وأبي داود السجستاني؛ لأنهما يريان أن الحديث الضعيف أقوى من رأي الرجال، فعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول : “الحديث الضعيف أحب إلي من الرأي “[33].

وذكر ابن القيم في أصول فتاوي الإمام أحمد أنه: يأخذ بالحديث المرسل والضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه وهو الذي رجحه على القياس، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته متهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه فالعمل به، بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح، وقسم من أقسام الحسن، ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف. والضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثرا يدفعه، ولا قول صاحب، ولا إجماعا على خلافه، كان العمل به عنده أولى من القياس[34].

المذهب الثالث: إنه يعمل به في الفضائل، والمواعظ والقصص، والترغيب والترهيب ونحوها[35]، إذا توفرت له بعض الشروط، وهي:

1 ـ أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذابين، والمتهمين بالكذب، ومن فحش غلطه.

2 ـ أن يندرج تحت أصل معمول به.

3 ـ أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد الاحتياط، لئلا ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يفعله[36].

قال السيوطي:» الشرطان الأخيران: ذكرهما العز بن عبد السلام وابن دقيق العيد«[37].

وهذا المذهب معتمد عند كثير من العلماء، منهم: أحمد بن حنبل ، وابن عبد البر، والنووي ، والزركشي، والعراقي، وابن سيد الناس، وابن حجر العسقلاني، والسخاوي، والسيوطي، والشيخ زكريا، وعلي القاري، وغيرهم.

ومع أن اختلاف العلماء وانقسامهم حول العمل بالحديث الضعيف، انحصر في المذاهب الثلاثة السابقة الذكر، فقد تفرع عنه خلاف آخر أي المذاهب أولى بالأخذ به؟

فمنهم من رأى أن المذهب الأول هو الأسلم والأحوط  للدِّين، إذ فيما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الترغيب والترهيب والفضائل والقصص ثروة هائلة، فيها الكفاية عن غيرها مما لم يصح، فلا حاجة إلى الأخذ بالضعيف، والصحيح متوافر، وكل ما يتقرب به إلى الله في الفضائل وغيرها هو من الدين ، فينبغي الحرص على الأخذ بالصحيح أو الحسن فيه .

ومن العلماء من رأى الأخذ بالمذهب الثالث الذي يجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، لأنهم رأوا اندراجه تحت الشروط التي وضعها العلماء للعمل به مادام لم يحكم بكذبه، وإن لم يترجح فيه جانب الإصابة، فبقي محتملا، فتقوى احتماله بعدم وجود معارض له، وبانضوائه ضمن أصل شرعي معمول به فيكون العمل به مستحبا ومقبولا .

ثم إن تجويز العمل بالضعيف لمن يرى ذلك من أهل “المذهب الثالث” يستلزم معرفة هذا الضعيف المراد العمل به ودرجته فيلتقي مع الشرط الأول في ضرورة معرفة ضعف الحديث.

وأما العمل به بناء على أنه مندرج تحت أصل معمول به حسب “المذهب الثالث” فالعمل في الحقيقة بالأصل العام، لا بالحديث الضعيف، وجد هذا الضعيف أو لم يوجد. فانعدام الأصل العام بناء على اشتراط توفره للعمل بالحديث الضعيف، يترتب عليه انعدام العمل بالضعيف فتكون النتيجة وجوب معرفة الحديث الضعيف ودرجته لتوقي العمل بما كان شديد الضعف منه والعمل بالضعيف المعتضد لقبوله عند المحدثين.

أما العمل به مطلقا دون هذا الاحتراز فهو صنيع كثير من الفقهاء والأصوليين وعامة الذين لا اهتمام لهم بعلوم الحديث لتمييز الصحيح من السقيم.

س ـ هل هذه الإجراءات كفيلة بكشف تهافت من يشكك في حجية السنة النبوية والعمل بها؟

اتفق علماء الأمة على أن السنة حجة ومصدر من مصادر الشريعة واستدلوا على ذلك بالكتاب والسنة، وإجماع الصحابة.

أما الكتاب فقد وردت آيات في القرآن الكريم تدل على حجية السنة، ومن ذلك:

1 – قوله تعالى: “وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى”[38].

2 – قوله تعالى: “وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا”[39].

3 – قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ”[40].

4 – قوله تعالى: “قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ”[41].

5 – قوله تعالى: “مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ “[42].

فهذه الآيات جميعها تدل على وجوب اتباع الرسول، فهي تثبت حجية السنة قطعا. وأما حجيتها من السنة فقد وردت أحاديث نبوية تدل على ذلك منها:

ما روي عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: “أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ”[43].

وكذلك أقر النبي صلى الله عليه وسلم مُعَاذ بْن جَبَل رضي الله عنه على اعتبار السنة مصدرا للأحكام لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَه إِلَى الْيَمَنِ قَالَ له: كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ قَالَ أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرَهُ وَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ[44] .

وأما الصحابة فإنهم لم يفرقوا بين حكم ثبت بالقرآن وبين حكم ثبت بالسنة فهم يعملون بهما جميعا.

س ـ لا شك أن مداخل ردّ شبهات أصحاب الاتّجاهات المنحرفة في دراسة السّنّة النّبويّة ونقد آرائهم متعددة، هل لك أن تبسط لنا بشكل عام بعض هذه المداخل؟

دأب منكرو السنة على إثارة بعض الشبهات حول السنة النبوية، ويمكن حصرها فيما يلي:

1- إسقاط الحاجة إلى السنة النبوية بدعوى أن القرآن يكفينا.

2- حصر السُّنَّة التي يُعتدُّ بها وتصلح للاستدلال في السُّنَّة المتواترة فقط.

3- الطعن في بعض الصحابة، وناقلي السنة من العلماء والرواة.

4- ادِّعاؤهم ضياع السنة النبوية وعدم حفظها، أو تأخُّر تدوينها مما دعا إلى ضياعها.

5- التشكيك في منهجية المحدِّثين في قبول الحديث وردِّه.

6- ردُّ بعضِ الأحاديث في السنَّة النبوية، ومُحاولة التشكيك فيها.

7- الطعن في وصول السنة النبوية إلينا؛ من خلال التشكيك في أصول النسخ الخطية لبعض كتب السنة النبوية.

إن مسألة “حجية السنة النبوية” باتت من الأمور المتجاوزة، ولم تعد إشكالا مطروحا يثير النقاش، وتُكتب حوله الردود، وذلك بعد انكسار فلول المستشرقين وأذيالهم في العالم العربي، ومن يسمون أنفسهم بالقرآنيين وهم أبعد الناس عن القرآن الكريم،  وانكشاف زيف شبههم وأباطيلهم بعد الردود القوية التي كتبها كثير من العلماء وأهل الفكر، ولم يبق يردد نفس الشبه إلا بعض النكرات هنا وهناك، وفي نظري الرد على كل متطفل مضيعة للوقت.

س ـ تحدث لنا عن خدمة ودراسة السّنّة النّبويّة في الزمن المعاصر؟

كانت خدمة السنة النبوية قديما عن طريق المدارس الحديثية المنتشرة في العالم الإسلامي، أما في العصر الحديث فقد نشطت حركة خدمة السنة تعلمًا وتعليمًا، وحفظًا ونشرًا بمختلف الوسائل، كما هي في الجامعات والكليات وغيرها.

وأذكر بعض المجالات التي ظهرت في خدمة السنة النبوية، ونشرها للعمل بها، وهي متاحة للجميع.
أولاً: الانترنت: خُدمت السنة النبوية في الشبكة العنكبوتية خدمة كبيرة، من خلال تأسيس المواقع الإلكترونية وصفحات الفيس بوك وغرف المحادثة وغيرها، فثمة عشرات المواقع الالكترونية التي تخدم السنة النبوية بعلومها المختلفة، تحت إشراف أهل العلم والتخصص المعروفين ، وعلى سبيل المثال شبكة السنة النبوية وعلومها، وهي شبكة تعنى بالسنة والسيرة النبوية، وعلوم الحديث كالمصطلح وعلم الرجال والجرح والتعديل والتخريج ودراسة الأسانيد، وكذلك الفتاوى الاستشارات الشرعية والتي يجيب عليها نخبة من أهل العلم المتخصصين، وقد ترجمت هذه الشبكة إلى عدة لغات عالمية.
ثانيًا: البرامج الالكترونية: عجّت الساحة الالكترونية بالبرامج الخادمة للسنة النبوية بعلومها ومجالاتها المختلفة، عن طريق شركات ومؤسسات تقنية معروفة، فعلى سبيل المثال أنتجت شركة حرف التقنية موسوعة الحديث الشريف، وموسوعة السيرة النبوية وبرنامج صفوة الأحاديث، وبيان فيما اتفق عليه الشيخان، ومركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي أنتجت المكتبة الألفية للسنة النبوية، والموسوعة الذهبية للحديث النبوي الشريف، ومكتبة علوم الحديث وغيرها.
ثالثًا: إنشاء معاهد ومراكز خاصة بالسنة النبوية، حيث تعنى هذه المراكز بإعداد موسوعات في السنة النبوية وعلومها ، وجمع المخطوطات والوثائق المتعلقة بالسنة النبوية وتحقيق بعضها، وترجمة بعض كتب السنة النبوية إلى لغات أخرى، إضافة إلى مناصرة النبي صلى الله عليه وسلم ودفع الشبهات المثارة حول السنة والنبي صلى الله عليه وسلم.

رابعا: تأليف الكتب والمصنفات وكتابة المقالات والبحوث عن السنة النبوية وعلومها، ودفع الشبهات وردّ الأباطيل المثارة حول السنة والنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقصر أهل العلم وطلبة العلم منذ العصور الأولى وإلى الآن في هذا المجال، والحاجة إلى هذا النوع من خدمة السنة متجددة دائمًا وخاصة بعد أن تعرضت شخصية النبي صلى الله عليه وسلم إلى إساءات وتشويهات في البلدان الغربية، وهذا يتطلب المزيد من التآليف والمقالات وترجمتها إلى اللغات المختلفة، لتعريف المجتمعات غير المسلمة بالسنة وعلومها.
وتعد الجهود السابقة كبيرة في خدمة السنة النبوية، إلا أننا بحاجة دائمة إلى المزيد من البحوث والدراسات، خاصة مع التطور التقني والإعلامي الهائل، والاستفادة منه في نشر السنة النبوية وعلومها والدفاع عنها وترجمتها إلى اللغات الأخرى عبر الوسائل المتطورة.

س ـ بوصفكم أستاذا جامعيا ـ منذ سنوات عدة ـ للسنة النبوية وعلومها، ما تقييمكم بشكل عام لخدمة السنة في جامعات العالم العربي والإسلامي، وفي الجامعة المغربية تدريسا وتأليفا، وما دور مختبراتها البحثية المتخصصة في الحديث النبوي الشريف ؟

لقد تم إنشاء كليات وأقسام علمية متخصصة بالسنة النبوية وعلومها، على أسس علمية، في أغلب كليات الشريعة وكليات الآداب في الدول الإسلامية، حيث توجد بها أقسام خاصة بالحديث الشريف وعلومه والسنة النبوية الشريفة وعلومها، تخرج منها الآلاف من الطلبة، وفي المغرب منذ تأسيس شعب الدراسات الإسلامية التابعة لكليات الآداب أكثر من أربعين سنة تم إدراج عدة مواد أساسية خاصة بالحديث والسنة وعلومها في مقرراتها مكنت الطلبة من التكوين في هذا التخصص، بالإضافة إلى العشرات من الماسترات في الحديث وعلومه والسنة وعلومها كونت المئات من الطلبة في هذا التخصص. وكذلك العشرات من المختبرات وبنيات البحث في الجامعات المغربية نوقشت فيها المئات من الأطاريح الجامعية، وحصل أصحابها على الدكتوراه.

 س ـ البحث العلمي الأكاديمي في علوم السنة النبوية مطلب مهم في الدراسة الحديثية، لكن الجمع بين العلم بالحديث والعمل بما يقتضيه من أحكام الأمر والنهي أمر في غاية الأهمية، كيف نرتقي من سؤال المعرفة الحديثية إلى سؤال التخلق بأخلاق السنة الشريفة والتعلق بصاحبها صلى الله عليه وسلم؟

لكي تؤتي خدمة السنة النبوية ثمارها الحقيقية وفق ما أراده الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، لا بد من توفر بعض الشروط التي تحقق تلك الخدمة، ومنها: الإخلاص في العمل في جميع الميادين التي تخدم السنة النبوية وتحافظ عليها وتدفع عنها الشبهات والأباطيل، وهو الأساس المتين لكل عمل يقوم به المؤمن، حتى يكلل بالنجاح والسداد.

ثم لا بد من فهم قواعد التصحيح والتضعيف للأحاديث: وهي القواعد التي من خلالها نصل إلى الحكم على الحديث وبيان درجته، كأن يكون الرواة عدولا ضابطين، واتصال السند، والسلامة من الشذوذ، والسلامة من العلل ونحوها.

ولخدمة السنة النبوية كذلك لا بد من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً في الأمر والنهي، قال الله تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). ويلحق بهذا الأمر تربية الأبناء والأجيال على هذا حب النبي صلى الله عليه وسلم واتباع سنته، وتطبيق المشاريع العلمية والأكاديمية الخادمة لهذه السنة المطهرة في الميادين المختلفة.

الهوامش:

[1] – شرف أصحاب الحديث: (ص40) ، وفتح المغيث للسخاوي: (3/331) .

[2] – المجروحين لابن حبان1/31 ، وسير أعلام النبلاء7/273 .

[3] – مقدمة صحيح مسلم (ص6)، المجروحين (ص6).

[4] – شرف أصحاب الحديث (ص42).

[5] – مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: (1/9)، ومنهاج السنة النبوية له: (7/37).

[6] ـ مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث ص7.

[7] ـ نزهة النظر شرح نخبة الفكر، ص32.

[8] ـ من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق ولم ينقل فيه جرح ولا تعديل.

[9] ـ نزهة النظر، ص38.

[10]– نزهة النظر، ص38، وأصول الحديث لمحمد عجاج الخطيب ص305.

[11]– غيث المستغيث، ص31.

[12]– مع العلم أن كثرة الطرق يقوي بعضها البعض، فيرتقي بها الحديث من درجة إلى أخرى.

[13]– الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ص140.

[14]– أخرجه البخاري (877) في كتاب الجمعة: باب فضل الغسل يوم الجمعة.

[15]– أخرجه البخاري (100) في كتاب العلم: باب كيف يقبض العلم، ومسلم (2673) في كتاب العلم.

[16]– مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث، ص20.

[17]– التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير، ص22.

[18]– النكت1/492.

[19]– أخرجه الترمذي (435) في كتاب الصلاة، باب ما جاء في فضل التطوع وست ركعات بعد المغرب ، وابن ماجه (1167) في كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في الست ركعات بعد المغرب ·

[20]– أخرجه الترمذي (86) في كتاب الطهارة، باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة·

وأخرجه أحمد في المسند(25238)، و ابن ماجة (502) في كتاب الطهارة وسننها، باب الوضوء من القبلة·

[21] ـ أخرجه الترمذي (135) في كتاب الطهارة، باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض.

[22] ـ مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث ص49، وفتح المغيث للعراقي ص147.

[23] ـ الكفاية ص133.

[24] ـ الكفاية ص134

[25] ـ الكفاية ص134، تدريب الراوي1/298.

[26]  ـ جامع بيان العلم وفضله1/103.

[27] ـ مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث ص49، التقريب والتيسير للنووي ص41، تدريب الراوي1/298.

[28] ـ مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث ص49.

[29] ـ تدريب الراوي1/298.

[30]– فتح المغيث1/289. وكذلك نسبه إليه السيوطي في تدريب الراوي1/299.

[31]– شرح علل الترمذي1/74.

[32]– فتح المغيث 1/289.

[33]– المحلى لابن حزم1/68.

[34] ـ إعلام الموقعين عن رب العالمين1/38.

[35] ـ النووي في الأذكار ص 27، والسيوطي في تدريب الراوي1/298.

[36] ـ هذه الشروط الثلاثة ذكرها  الحافظ ابن حجر ، ونقلها عنه أكثر من واحد منهم: السيوطي في تدريب الراوي1/298-299 ، والسخاوي في القول البديع ص258 ، والقاسمي في قواعد التحديث ص116.

[37] ـ  تدريب الراوي1/299.

[38] – سورة النجم، 3-4.

[39] – سورة الحشر، الآية 7.

[40] – سورة النساء، الآية 59.

[41] – سورة آل عمران، الآية 31.

[42] – سورة النساء، الآية 80.

[43] – أخرجه أحمد (16742)،و أبوداود 4604 في كتاب السنة واللفظ له ،والترمذي (2664) في كتاب العلم ، وابن ماجة(10) في المقدمة .وابن حبان (12) في المقدمة، والدارمي (586) في المقدمة باب السنة قاضية على كتاب الله ، قال ابن حجر في تخريج أحاديث المختصرج2 ص324: هذا حديث حسن صحيح.

[44] – أخرجه أحمد في المسند(21502)، وأبوداود(3592) في كتاب الأقضية، باب اجْتِهَادِ الرَّأْي فِي الْقَضَاءِ،  والترمذي(1327) في كتاب الأحكام، باب ما جاء في القاضي كيف يقضي، والطبراني في الكبير20/170 (362)، من حديث الحارث بن عمرو عن ناس من أصحاب معاذ عن معاذ، قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ عِنْدِي بِمُتَّصِلٍ . قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى3/197: وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمَسَانِدِ وَالسُّنَنِ بِإِسْنَادِ جَيِّدٍ . وقال ابن القيم في إعلام الموقعين1/275: فَهَذَا حَدِيثٌ وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ مُسَمَّيْنَ فَهُمْ أَصْحَابُ مُعَاذٍ فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ الْحَدِيثِ. وقال الشوكاني في إرشاد الفحول ص 432: والكلام في إسناد هذا الحديث يطول وقد قيل إنه مما تلقي بالقبول.

تعليقات