تنبيه الأنام عن حرمة الترحم والاستغفار لمن مات على غير دين الإسلام
قئة المقال: | مقالات |
---|
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه ثقتي وأستعين.
لقد هالني ما ضجت به وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بين مترحم، ومستغفر، وحاكم بالشهادة، على وفاة الصحافية المسيحية –بشهادة قناة الجزيرة على ديانتها- البطلة شيرين أبي عاقل على أيادي الكيان الصهيوني المعتدية.
فكتبت هذا المنشور على جناح السرعة، وأحببت أن أشارككم به؛ إحقاقا للحق، وإبطالا للباطل، ودفعا للشبهة، وتعليما للجاهل، وتحذيرا من الخوض في مسائل الدين بغير علم، وأرجو منكم تكرما مشاركته تعميما للنفع وتوسيعا للفائدة:
اعلموا أن الفتوى بغير علم؛ منكر عظيم يصل إلى درجة الشرك بالله، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33]، وتقول على الله ورسوله، كما قال تعالى ذكره: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) [النحل: 116]، وطاعة للشيطان الرجيم كما قال جل وعز: (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)[البقرة:169]، والمخرج من هذا المأزق العظيم؛ سؤال أهل العلم الموثوق بهم: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون) [النحل:43].
واعلموا أن الترحم وسؤال المغفرة لمن مات كافرا أو مشركا أو مرتدا من المحرمات المجمع عليها في الدين، والمنصوص عليها قرآنا وسنة، ومن قطعيات الدين التي لا يجوز إبداء أو تبادل وجهات النظر فيها؛ لأنها حسمت بالنص ولا اجتهاد مع النص كما يقول الأصوليون. وقد جاء في الموسوعة الفقهية: “اتفق الفقهاء على أن الاستغفار للكافر محظور، بل بالغ بعضهم، فقال: إن الاستغفار للكافر يقتضي كفر من فعله؛ لأن فيه تكذيبًا للنصوص الواردة التي تدل على أن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به، وأن من مات على كفره، فهو من أهل النار”.
ولو كان الله تبارك وتعالى أباح الترحم على الكفار والاستغفار لهم، لكان أولى بذلك أبو طالب بن عبد المطلب، عم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وكافله وناصره وحاميه، ووالد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولكن المولى تبارك وتعالى نهاه عن ذلك وأتباعه إلى يوم الدين فقال تعالى ذكره: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) [التوبة: 113].
وتاليا؛ فإن الترحم على من مات على غير ملة الإسلام والاستغفار لهم خطأ جسيم، وهو من كبائر الذنوب التي لا تمحوها إلى التوبة النصوح بشروطها الأربعة المعروفة؛ لأنهم إذا ماتوا على غير ملة الإسلام، فقد وجب لهم الخلود في النار، فلم تنفعهم شفاعة الشافعين، ولا استغفار المستغفرين، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا) [النساء: 48]، وقال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ 48) [المدثر: 38-48]، وقوله: (فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ): فمعناه: “أي من كان متصفا بمثل هذه الصفات فإنه لا تنفعه يوم القيامة شفاعة شافع لأن الشفاعة إنما تنجع إذا كان المحل قابلا فأما من وافى الله كافرا يوم القيامة فإنه له النار لا محالة خالدا فيها” قاله الإمام ابن كثير رحمه الله، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : “والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار”، رواه مسلم. إلى غير ذلك مما استفاض ذكره في الكتاب والسنة، فليرجع إلى مظانها.
وأما استدلال بعض المسلمين المثقفين على جواز الترحم على الكفار بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 62]، فهو استدلال في غير محله، كون سياق الآيات القبلي كان يتحدث عن بني إسرائيل الذين خالفوا أوامر الله، وارتكبوا زواجره، وانتهكوا محارمه، ثم أعقبه ها هنا بالحديث عمن مات من بني إسرائيل موحدا ومؤمنا برسالات النبيين الذين بعثوا فيهم، وقد روى شيخ المفسرين ابن جرير الطبري بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية فأنزل الله بعد ذلك: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [ آل عمران : 85 ]، وقد علق الإمام ابن كثير رحمه الله على هذا الحديث بقوله: “فإن هذا الذي قاله ابن عباس إخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقة ولا عملا إلا ما كان موافقا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن بعثه الله بما بعثه به، فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدى وسبيل ونجاة”.
كذا لا يجوز إطلاق لفظ “الشهيد” على غير المسلم؛ لأن لفظ الشهيد مصطلح شرعي، وحدّه أنه يطلق على من قاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، وأما من قاتل حمية، وغضبا، وشجاعة، وقومية، ووطنية، ورياء فليس ذلك في سبيل الله، ولا يعد صاحبه شهيدا، لما روي في الصحيحين عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله”، متفق عليه.
ذلك وقد أكرم الله الشهيد بمرافقة الأنبياء والصديقين والصالحين في الجنة: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: 69]، ويقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “مثَلُ المجاهد في سبيل الله – والله أعلمُ بِمَن يجاهدُ في سبيله – كمثل الصائم القائم، وتوكَّل الله للمجاهد في سبيله بأنْ يتوفَّاه أنْ يُدخِلَه الجنَّة، أو يرجعه سالمًا مع أجرٍ أو غنيمةٍ”؛ رواه البخاري، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الواردة في فضل الشهادة في سبيل الله.
وإذا أطلقنا لفظ “الشهيد” على من مات من الكفار المستعان بهم لقتال الكفار مثلا، فإننا نكون قد زعمنا أن هناك تناقضا بين نصوص الشرع، كون الشارع الحكيم حكم بالدخول إلى الجنة على من مات شهيدا في مواضع، وقطع بالخلود في النار لمن مات على غير ملة الإسلام في مواضع أخرى، والقرآن الكريم كما نعلم: (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت: 42]؛ لأنه: (تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ([فصلت: 42].
ولكن مع ذلك فإن حق من مات من الكفار غير المقاتلين لنا، وغير المخرجيننا من ديارنا؛ أن نحسن إليهم، ونعاملهم بالعدل، ولا نجرح مشاعر أهاليهم، ولا شك أن هذه الصحافية البطلة: “شيرين أبا عاقل” من النساء ذات المواقف المشرفة –بشهادة المسلمين لها-، وحقها علينا أن نحزن عليها كونها ماتت على غير ملة الإسلام كما بلغنا، ونذكر محاسنها، ونشيع مآثرها، ونعزي أهلها على مصابهم الجلل، قال الله تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة: 8].
هذا وإني ناصح أخا خاض في هذه المسألة وغيرها بغير علم، وبلا تثبت، ولا بحث في الأدلة، ولا سؤال أهل الذكر؛ أن يتوب إلى الله تعالى، ويندم على ما فات، ويعزم على عدم العودة، ويحذف تغريدات الترحم، ويتصالح مع من خاصمه وجادله بغير حق ولا علم.
وما كنت لأتحدث في هذا الموضوع إلا من باب: “لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة”، والله المستعان، وغفر الله لنا جميعا، وكتبنا من عباده الصالحين المتقين الورعين.
حرره أخوكم د. عبد العالي باي زكوب (بلال) ليلة الخميس 11 شوال 1443هـ
تعليقات