ندوة وطنية: الفكر الفلسفي المغربي: قضايا وإشكالات
قئة المقال: | تقارير |
---|
احتفاء باليوم العالمي للفلسفة، نظمت شعبة الفلسفة والفكر الإسلامي والحضاري بكلية أصول الدين يوم الثلاثاء 30 نونبر 2021، ندوة وطنية في موضوع: الفكر الفلسفي المغربي: قضايا وإشكالات.
افتتحت الندوة بكلمة باسم عميد كلية أصول الدين ألقاها نائبه المكلف بالشؤون البيداغوجية الدكتور عبد العزيز رحموني مقدما للموضوع ومرحبا بالمشاركين والحاضرين، ثم تناول الكلمة رئيس شعبة الفلسفة والفكر الإسلامي والحضاري الدكتور أحمد الفراك، ليذكر بسياق انعقاد هذه الندوة وأهدافها، قبل أن ينقل مُسير الندوة الدكتور عبد الغني يحياوي (أستاذ أصول الفقه بكلية أصول الدين) الكلمة إلى الدكتور محمد بلال أشمل (أستاذ الحوار الحضاري بكلية أصول الدين)، ليقدم الورقة الأولى في الندوة بعنوان: “الفكر الفلسفي المغربي: الهوية ومقتضيات الوجود”، تطارح فيه إشكالية هوية الفكر الفلسفي المغربي والمقتضيات التي ينبغي أن يستوفيها لكي يكون موجودا؛ ومن ثم يستحق حيازة ياء النسب إلى الفضاء الذي يفترض أن ينتمي إليه. فأما إشكالية الهوية، فسعيت إلى طلبها في الانتماء الجغرافي، والانتماء الإداري، ولغة التعبير. حيث قال: “تسليمنا بأن “الفكر الفلسفي المغربي” هو ذلك الفكر الذي نتصوره وفق هذه المعايير الثلاثة، وأقصد بها البعد الجغرافي والإداري واللغوي، فقد ظهر لي أن ما من شيء يشي بـ”مغربية” هذه الفكر الفلسفي من حيث المضامين لا من حيث الفاعلين له، فمأزق “المغربية” ما يزال قائما” معتبرا أن الداعي إلى الخروج منه هو الذي حمله على تطارح سؤال “المغرب”، و”من يكون المغربي”، والدعوة إلى استشكالهما، وإعادة التفكير فيهما، ثم الدعوة إلى النهوض بترجمة ثمار الفكر الفلسفي بكل أرخبيلاته اللغوية والفكرية إلى اللغات الوطنية لـ”المغرب”، والمساهمة في حركة التفكير الفلسفي الكونية.
وكانت المشاركة الثانية من نصيب الدكتورة بشرى عسال (أستاذة الفلسفة بكلية الآداب تطوان) بعنوان: “الفلسفة الأخلاقية أفقا لنقد التقنية عند طه عبد الرحمن”، حيث تناولت مشكلة التقنية في الفكر الفلسفي المعاصر، قبل أن تنتقل إلى جواب الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن عن أسئلة التقنية وتأثيراتها في العالم المعاصر.
وفي عرضه المعنون بـ”ابن رشد في ضوء القراءات المغربية: جمال الدين العلوي أنموذجا”، قدم الدكتور مصطفى السعيدي (أستاذ الفكر الإسلامي بكلية أصول الدين) قراءة في مشروع هذا الرجل الذي ارتبط اسمه بتأسيس مركز الدراسات الرشدية، بفاس. وجاء هذا العرض للتعريف بهذه الشخصية العلمية المغربية التي بنت صرح قراءتها في فلسفة ابن رشد، على أساس التحقيق العلمي لمتنه وبموازاته، حيث لا يرى جمال الدين العلوي من مسوغ منطقي أو إبستيمولوجي لانفصال التفلسف عن التحقيق؛ بل هو يعي جيدا أن المنحدرات الإنجازية، كما يمكن أن تكون نتيجة فهم خاطئ للنصوص، يمكن أن تكون أيضا نتيجة بناء على معطى ناقص، أو على أخطاء في الإخراج والتحقيق، أو نتيجة بناء على ما تمت مراجعته من قِبل صاحبه دونما وعي من طرف القارئ بمواطن المراجعة.
وعلى هذا الأساس، كان المدخل المناسب لإنجاز قراءة جديدة حسب جمال الدين العلوي، متوقف على الانطلاق من حصر المتن الرشدي انطلاقا من القوائم الواردة في المظان، وذلك بعد التحري بشأن ما صحت نسبته مما لم يصح.
من جهته تطرق الدكتور أحمد مونة (أستاذ أصول الفقه بكلية أصول الدين) إلى موضوع “سؤال كونية القول الفلسفي في المشروع النقدي للفيلسوف طه عبد الرحمن”، في محاولة منه لبيان المداخل التي استشكل من خلالها الفيلسوف طه عبد الرحمن دعوى القول بكونية الخطاب الفلسفي، التي تصدى لها بالنقد والتمحيص؛ بدءا بتفكيك مفهوم الكونية الذي ينحل لديه إلى كونيتين؛ أولاهما كونية أنطولوجية وثانيتهما كونية جغرافية، مرورا ببيان السياق الفلسفي الذي احتضن الأقوال الفلسفية في تعدد انتماءاتها وفي تشعب آراء منتحليها وتنوع أسسها ونظرياتها، وانتهاء بمعايرة هذه الكونية بالاستناد إلى مكونات مفهوم “المجال التداولي الإسلامي العربي العام ” الذي يحتوي كلا من، العقيدة واللغة والمعرفة، وهو المفهوم الذي أضحى في منظور طه الفلسفي يشكل البارادكم الذي يرجع إليه في تحليل وتقويم الأقوال الفلسفية قديمها وحديثها، والذي بمقتضاه تنفتح أمام القول الفلسفي الإسلامي آفاق فكرية، غاية في الجدة والأصالة والإبداع.
أما الدكتور أحمد الفراك (أستاذ الفلسفة بكلية أصول الدين)، فقد اختار موضوع “الجهود المنطقية الراهنة في الجامعة المغربية ، متخذا من أعمال الدكتور حمو النقاري (أستاذ المنطق بجامعة محمد الخامس سابقا) مثالا لهذه الجهود، معتبرا أن “جهودا كبيرة من أساتذة وعلماء بذلت في سبيل استئناف الدرس المنطقي في الجامعة المغربية، سواء منها التي أوقفت المنطق على المحصول القديم (تقليد بيداغوجي في جميع المدارس العتيقة) أو تلك التي انفتحت على الدرس المنطقي المعاصر، إلا أن مرحلة الثمانينات إلى اليوم عرفت تقدما غير مسبوق بفضل مجهودات المدرسة المنطقية التي أسسها الفيلسوف وعالم المنطق طه عبد الرحمن”، قبل أن ينتقل إلى تقريب مجمل لمكتوبات الأستاذ النقاري التي تكشف الجهود العلمية والفكرية النوعية المتصلة بالمنطق والفلسفة من خلال مؤلفاته التي فاقت 15 مؤلفا نفيسا، بالإضافة إلى مؤلفات مشتركة ومقالات علمية منشورة في مجلات علمية (مثل مجلة كلية الآداب بالرباط)، “هذه المؤلفات تستشكل قضايا منطقية وفلسفية دقيقة، وتنتقل بين تجديد النظر في تاريخ علم المنطق وأقضياته وبين معانقة الإشكالات المنطقية المعاصرة، لتنفتح على آفاق واعدة في الدرس المنطقي في المغرب وخارجه. ويتبين ذلك جليا من أبحاثه المنشورة في المنطق وفلسفته”، وقد اشتغل على مثالين من اهتمامات الدكتور النقاري بالمنطق القديم، ومثالين من اشتغاله بالمنطق المعاصر، من الأول أخذ عمله الأخير “فلسفة ابن تيمية المنطقية”، ومن الثاني أخذ اشتغاله بمنطق بول رويال والتوجهات المنطقية المعاصرة.
وتحث عنوان “الجهود الفكرية لمحمد عابد الجابري في تجديد النظر إلى التراث” حاول الدكتور محمد عـلا (أستاذ الفكر الإسلامي بكلية أصول الدين) استقراء بعض المداخل المنهجية التي أطّرت رؤية الجابري لثنائية التراث والحداثة، في محاولة لبلورة قواعد كلية شكلت مرتكزات أساسية للجابري في مقاربته للتراث العربي الإسلامي وتفاعلاته مع الحداثة الغربية بمختلف تمظهراتها وتشكلاتها. إذ اتخذت مقاربات الجابري للتراث في نظره أشكالا مختلفة، جعلت التراث يظل الحاضر الأبرز حتى في فضاءات انشغالاته الفكرية الأخرى مثل فضاء مناقشة قضايا الفكر العربي المعاصر وفضاء المستجدات في الفكر العالمي أو التعامل مع الفكر الأوربي وفضاء الشأن المغربي الخاص. كما ألفت علا إلى أن “الوحي من منظور الجابري يقع خارج التراث”، لأنه يميز تمييزا واضحا بين التراث كإرث بشري ومنتوج فكري وبين الوحي قرآنا وسنة كمصدر إلهي سماوي يخلط بعض المفكرين بين مفهومي الوحي والتراث حين يدرجون الوحي ضمن التراث فيخضعونه للنقد والتقييم كباقي الإنتاج البشري (محمد أركون، العروي…). ومن أهم ما يحتاج إلى تدقيق النظر في فكر الجابري اتجاه التراث هو المقصود بالتراث نفسه في متنه المعرفي، خاصة حين رأى أن التراث هو ما يفكر فينا حتى من غير أن نعي بذلك، والأكيد أن ذلك المعنى مخالف لمفهوم التراث باعتباره تلك المؤلفات التراثية، التي تشكل مفخرة وتاريخ أي أمة وحضارة ودليل على التراكم المعرفي والإنجاز الحضاري، ومن ثم فنتيجة الرجوع مرة أخرى إلى التراث والتاريخ في ضوء تلك الرؤية ينبغي أن يكون بناء على منهجية قائمة على قراءة معاصرة للتراث نابعة من ذاتيتنا العربية الإسلامية وليست قراءة تقليدية تراثية للتراث ولا قراءة تقليدية غربية له.
وبعد إنهاء مداخلات السادة الأساتذة، فتح المجال للمناقشة التي شارك فيها أساتذة وطلبة من داخل الكلية ومن خارجها، ومن تخصصات الفلسفة وعلم الاجتماع والفكر الإسلامي بالإضافة إلى باقي العلوم الإسلامية، لتختتم فعاليات هذه الندوة الوطنية بكلمة ختامية من طرف رئيس شعبة الفلسفة الدكتور أحمد الفراك شكر فيها عمادة الكلية والأساتذة المشاركين وجميع الحاضرين، على رجاء طبع أعمال الندوة قريبا بحول الله.
تعليقات