مناقشة أطروحة دكتوراه في موضوع: العمل الاجتماعي بين المدرسة الغربية والمدرسة الحضارية الإسلامية الحديثة
قئة المقال: | تقارير |
---|
ناقش الباحث أحمد الدرويش أطروحته الجامعية لنيل درجة الدكتوراه (شعبة الدراسات الإسلامية) في موضوع: “العمل الاجتماعي بين المدرسة الغربية والمدرسة الحضارية الإسلامية الحديثة”، بكلية الآداب – جامعة محمد الأول (وجدة – المغرب) أمام لجنة علمية مكونة من السادة:
الدكتور عبد العزيز فارح رئيسا
الدكتور الحساني حالي مشرفا
الدكتور محمد بنعمر عضورا
الدكتور احنوت عبد القادر عضوا
الدكتور محمد عيساوي عضوا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب تبصرة لأولي الألباب، وأودعه من فنون العلوم والحكم العجب العجاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي خضعت لعظمته الرقاب، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث من أكرم الشعوب وأشرف الشعاب، إلى خير أمة بأفضل كتاب، صلى الله عليه وسلـم وعلى آله وصحبه الأنجاب، صلاة وسلاما دائمين إلى يوم المآب.
أما بعد،
فإن موضوع البحث وعنوانه: “العمل الاجتماعي بين المدرسة الغربية والمدرسة الحضارية الإسلامية الحديثة” جاء في سياق محاولة الوقوف على بعض المقاربات والنظريات الغربية الرئيسة في تناولها للعمل الاجتماعي، من خلال منطلقاتها النظرية وتطبيقاتها العملية، ثم النظر المتبصر للتصور الإسلامي في هذا المجال، وما يتسم به من الخصوصية والتميز الثقافي والحضاري.
– أسباب اختيار الموضوع:
إن اختيار هذا الموضوع يعود لأسباب يمكن إجمال ما يتعلق بها كما يلي:
* أسباب ذاتية: تعود في مجملها إلى التكوين الذاتي المستمر في مجال الفلسفة، وما يتيحهمن اطلاع على أوضاع الفكر الغربي عموما وأوضاع الفكر الاجتماعي خصوصا؛هذا وقد تعززت الرغبة في بسط النظر في النظريات الاجتماعية الغربية، وسياقاتها التاريخية والفكرية…
* أسباب موضوعية: تؤول إلى ما يطرحه النظر الموضوعي في مقارنة العطاء الاجتماعي في الفكر الغربي، والعمل الاجتماعي في التصور الإسلامي.
– منهج الموضوع:
تم اعتماد منهج للدراسة على ثلاثة مستويات:
* على المستوى التاريخي: لدراسة المقاربات والنظريات الغربية وفق تسلسلها الزمني لفهم الآليات والسياقات التي اعتمدت عليها في تناولها للعمل الاجتماعي.
* على المستوى التحليلي: لفهم التصور الإسلامي في مقاربته للعمل الاجتماعي.
* على المستوى النقدي: ويستهدف إقامة مقارنة بمسحة نقدية، في سبيل بيان مرتكزات الاتجاه الغربي في العمل الاجتماعي وبين التصور الإسلامي في هذا المجال، والغاية إيجاد الوسائل الكفيلة بتحقيق رؤية متكاملة للعمل الاجتماعي في العالم الإسلامي، لا تتنكر للثوابت الراسخة، ولا تتبرم من الاستفادة من مساهمات غير المسلمين في هذه المسألة.
– إشكاليات الموضوع:
إن اختيار موضوع البحث هو محاولة لطرح إشكالية العمل الاجتماعي بناء على إجراء مقارنة بين العمل الاجتماعي وفق المنظور الغربي من خلال المقاربات والنظريات الاجتماعية والنفسية المؤطرة، سواء منها الكلاسيكية أو المعاصرة من جهة، والرؤية الإسلامية الحديثة للعمل الاجتماعي ومنطلقاتها وتطبيقاتها العملية من جهة أخرى، لذلك تأتي الدراسة مركزة على أوجه التشابه والتباين من أجل بناء رؤية عصرية تلائم الواقع ولا تجافي الشرع، لذلك فسؤال الانطلاق الذي سيشكل محور البحث هو:
ما طبيعة العلاقة بين النظريات الغربية والمنظور الإسلامي للعمل الاجتماعي؟ هل هي علاقة توافق؟ أم علاقة تضاد؟
ثم نطرح السؤال التالي:
ما هي الحلول المقترحة للنهوض بالعالم الإسلامي من الناحية الاجتماعية؟ هل بالاعتماد على النظريات الغربية فقط أم القطع الجذري التام معها باعتبارها “دخيلا”؟
– فرضيات الموضوع:
للإجابة عن هذه الإشكاليات ينبغي طرح مجموعة من الفرضيات التي ستكون بمثابة مشاعل تنير طريق البحث وتوجه عناصر الموضوع وفق نسق منتظم ومنهج مترابط، ومن ثم فالفرضيات تتدرج كالتالي:
· الفرضية الأولى:
وتتخذ منحى التضاد ومقاومة “الدخيل”، باعتبار طبيعة العلاقة بين النظريات الغربية الاجتماعية والرؤية الإسلامية التي تنطلق من إشكالية طبيعة العلاقة بين الحضارات والثقافات، وبالتالي فاعتبار الاختلاف الحضاري والثقافي بين الاتجاه الغربي والاتجاه الإسلامي، تجعل العلاقة بين النمطين علاقة تنافر وتصادم، ولا مناص من رفض التوجهات الغربية والبحث عن البديل الإسلامي الأصيل.
· الفرضية الثانية:
وتتجه نحو الانصهار والاندماج، فاعتبار الغلبة المدنية الغربية المعاصرة أو الحديثة، في مجال التنظير الاجتماعي وفي مجال التنظيم الاجتماعي من جهة، والتقهقر التنظيري والعملي في العالم الإسلامي من جهة أخرى، يحيل على الانصهار في العطاء الغربي في هذه المجالات كلها.
· الفرضية الثالثة:
وتجسد هذه الفرضية معنى التكامل والانفتاح، من خلال استيعاب النظريات الغربية في العمل الاجتماعي، للإفادة مما يصوَّب منها ويأتي متساوقا مع التصور الإسلامي ورد ما لم يصوَّب وجاء مخالفا لتصورنا ومنافيا لواقعنا.
– تصميم الموضوع:
أما فيما يخص خطة الموضوع أو تصميم عناصر الأطروحة، فهو يتكون من بابين:
f الباب الأول: العمل الاجتماعي في المدرسة الغربية.
f الباب الثاني: العمل الاجتماعي في المدرسة الإسلامية الحديثة.
وقد تم تصدير الباب الأول بتمهيد جاء من خلال إطار مرجعي لأهم المفاهيم المرتبطة بالعمل الاجتماعي سواء ما يتعلق بالرعاية الاجتماعية أو الخدمة الاجتماعية أو العمل التطوعي أو العمل الخيري أو التكافل الاجتماعي … وذلك بغية تحليل البنية الاجتماعية وشرح طبيعة العلاقات القائمة بين هذه المفاهيم.
أما بخصوص الباب الأول فتم تخصيصه بدراسة المقاربات الغربية الرئيسة للعمل الاجتماعي بقصد فهم المنطلقات والآليات المعتمدة، من خلال الظروف والمحددات الاجتماعية والسياسية الغربية، وفق التوجه الفكري والنسق الثقافي للعالم الغربي من خلال عدة عناصر:
– أولا: علاقة العمل الاجتماعي بالعلوم الإنسانية والاجتماعية في الفصل الأول، وجعلته في مبحثين: الأول في العمل الاجتماعي وعلم الاجتماع، وخصصت مطالبه لدراسة أهم النظريات الاجتماعية الغربية، وتتعلق بالمدرسة الوضعية الفرنسية في المطلب الأول من خلال ثلاثة نماذج: تصور “سان سيمون” وتصور “أوغوست كونت” وتصور “إميل دوركايم”. فالمدرسة الألمانية في المطلب الثاني من خلال نموذجين: تصور “كارل ماركس” وتصور “ماكس فيبر”، ثم المدرسة الأنجلوساكسونية من خلال ثلاثة نماذج: تصور “دوتوكفيل” وتصور “هاربرت سبنسر” وتصور “تالكوت بارسونز” في المطلب الثالث، ثم المبحث الثاني جعلته لبحث العمل الاجتماعي في علاقته بعلم النفس من خلال خمسة مطالب للوقوف على بعض النظريات النفسية من حيث منطلقاتها وأسسها النظرية والمنهجية، وتتعلق بالمدرسة التجريبية والشعورية في المطلب الأول والمدرسة السلوكية في المطلب الثاني والمدرسة الظاهراتية والوجودية في المطلب الثالث ومدرسة التحليل النفسي في المطلب الرابع وعلم النفس المعرفي في المطلب الخامس.
– ثانيا: تاريخ العمل الاجتماعي في الغربفي الفصل الثاني من خلال التطرق إلى الفعل الاجتماعي في العصور القديمة لدى الحضارات الإنسانية العظيمة في التاريخ في المبحث الأول الذي تناولت مطالبه: الفعل الاجتماعي في الحضارة الفرعونية، فالإغريقية ثم الرومانية في المطلب الأول ثم الرعاية الاجتماعية في الأديان السماوية قبل الإسلام، كما تتم دراسة الرعاية الاجتماعية في العصر الحديث في المبحث الثاني من خلال تتبع تطور الرعاية الاجتماعية في ثلاثة بلدان كبرى في إنجلترا في المطلب الأول وفي الولايات المتحدة الأمريكية في المطلب الثاني ثم في فرنسا في المطلب الثالث، ثم يتم تناول الخدمة الاجتماعية في المبحث الثالث وتخصص مطالبه الثلاثة لبحث مهنية واحترافية القطاع الاجتماعي والتدخل المؤسسي الحكومي في هذا المجال، في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية ثم فرنسا على التوالي.
– ثالثا: طرق الخدمة الاجتماعية وأسسها، ونظريات العمل الاجتماعي في الفصل الثالث للوقوف على التطور التاريخي لهذه الخدمة على مستوى طرق الخدمة الاجتماعية وأسسها ومبادئها النظرية في المبحث الأول الذي تتناول مطالبه الثلاث طرق الخدمة الاجتماعية الثلاثة طريقة خدمة الفرد وطريقة خدمة الجماعة وطريقة تنظيم المجتمع في المطلب الأول ثم أسس الخدمة الاجتماعية ومبادئها، وهي مبدأ التقبل ومبدأ السرية ومبدأ حق المصير ومبدأ العلاقة المهنية ومبدأ المساعدة الذاتية ومبدأ التقويم الذاتي ومبدأ الدراسة العلمية ومبدأ المشاركة في المطلب الثاني.
ثم يتم مقاربة نظريات العمل الاجتماعي في المبحث الثاني الذي تتناول مطالبه التسعة على التوالي نظريات العمل الاجتماعي وهي: نظرية سيكولوجية الأنا، ونظرية سيكولوجية الذات، والنظرية السلوكية، ونظرية الأنساق العامة، والنظرية الإيكولوجية، ونظرية النموذج النسقي الايكولوجي، ونظرية النموذج الإكلينيكي، ونظرية النموذج المتحرر للخدمة الاجتماعية، ونظرية النموذج الشامل للأطر النظرية.
أما بخصوص الباب الثاني الذي يتناول العمل الاجتماعي في المدرسة الإسلامية الحديثة على اعتبار اهتمام الإسلام بالشأن الاجتماعي وبناء العلاقة الاجتماعية على تحقيق مصالح العباد وقضاء حوائجهم وتفريج كرباتهم، فتم بناء فصول هذا الباب كما يلي:
– أولا: الرعاية الاجتماعية في الإسلام في الفصل الأول: من خلال الحديث عن النظام الاجتماعي التكافلي المتكامل للإسلام من خلال ثلاثة نماذج مشرقة لتماسك النظام الاجتماعي الإسلامي: جاءت في ثلاثة مباحث: الأول في الزكاة تناولت مطالبه أهمية الزكاة ومكانتها في العمل الاجتماعي، ثم صور الزكاة وأثرها على المجتمع، والثاني في الوقف تناولت مطالبه مشروعية الوقف وحجيته، ثم مقاصد الوقف وغاياته، ثم دور الوقف في البناء الاجتماعي والاقتصادي الإسلامي، أما الثالث فهو في النفقات والصدقات.
– ثانيا: العمل الاجتماعي في العالم العربي والإسلامي – بين الواقع والمأمول – في الفصل الثاني من خلال دراسة ملامح العمل الاجتماعي في بعض الدول العربية، واستوى على ثلاثة مباحث لثلاثة نماذج: النموذج المصري في المبحث الأول تناولت مطالبه التدخل الحكومي الرسمي في العمل الاجتماعي، ومهنة المساعدة الاجتماعية في مصر. النموذج السعودي في المبحث الثاني تناولت مطالبه دور الرعاية الاجتماعية، ودور الأحداث وذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين، والضمان الاجتماعي ومهنة المساعدة الاجتماعية. النموذج المغربي في المبحث الثالث تناولت مطالبه صيغ التعاون والمساعدة الجماعية التقليدية، والتدخل الرسمي الحكومي في الشأن الاجتماعي، والبرامج الاجتماعية المستحدثة، والتأمين الاجتماعي ومهنة المساعدة الاجتماعية في المغرب.
– ثالثا: النظرة الاسلامية الحديثة للعمل الاجتماعي في الفصل الثالث الذي تم تقسيمه إلى ثلاثة مباحث: المنظور الإسلامي للطبيعة البشرية والحياة والكون في المبحث الأول وخصصت مطالبه لدراسة النظرة الإسلامية للطبيعة البشرية ثم للحياة والكون، والتصور الاجتماعي والنفسي الإسلامي في المبحث الثاني الذي خصصت مطالبه للرد الإسلامي على النظريات الاجتماعية الحديثة، وعلى النظريات النفسية المعاصرة، ليتم التطرق في المبحث الثالث إلى مسألة الموضوعية والعلمية وإشكاليات المنهج والتطبيق.
لعل ما يمكن تسطيره في خاتمة هذا العمل مما يعتبر نتائج وخلاصات للموضوع، يمكن تقسيمها إلى قسمين:
×فيما يخص المدرسة الغربية:
– إن المنطلقات والأصول التي تنطلق منها النظرة الغربية للعمل الاجتماعي هي حصيلة التجاربوالاختيارات الإنسانية التي اعتمدها البشر في ظروف معينة وسياقات محددة.فهي نسبية وتفتقد لوحدة القياس المعيارية الأخلاقية.
– إن الإحصاءات والأرقام تبين مدى ترسخ ثقافة العمل الخيري في الغرب فتجد 10.5 ملايين فرنسي يتبرعون في نهاية الأسبوع بأوقاتهم لتقديم خدمات اجتماعية في مجالات تهم التربية أو الصحة أو الثقافة أو البيئة…
– أما المجتمع الأمريكي فقد بلغ في هذا الأمر شأنا بعيدا، حيث بلغ مجموع قيمة العطاء في أمريكا سنة 2019 حوالي 449.64 مليار دولار بزيادة 18 مليار دولار (بزيادة نسبة نمو %4.2) عن سنة 2018، وكانت مساهمة الأفراد متميزة بـ 309.66 مليار دولار بزيادة نسبة %4.7 عن سنة 2018، وهو ما يمثل % 70 من إجمالي العطاء الأمريكي.
– إن هذه الأرقام تعبر عن ميل الأفراد والمؤسسات والشركات في المجتمعات الغربيةإلى العمل الخيري لعدة أسباب ذاتية وموضوعية:
* الوعي المجتمعي الراقي بضرورة البذل والإنفاق ودعم النهضة التنموية.
* الدقة والشفافية التي تميز المؤسسات المانحة والمنظمات والهيئات المستفيدة كذلك.
* الترسانة القانونية القوية التي تنظم قواعد وضوابط العمل الاجتماعي.
* الخبرة والاحتراف في مجالات التخطيط والبرمجة والتصميم التي تضع الخطوط العريضة للدفع بهذا الميدان إلى الأمام.
– في العطاء الأمريكي جاء المجال الديني في الصدارة بـ 128 مليار دولار (بنسبة زيادة نمو %2.3) عن سنة 2018.
وهذا ما يجعلنا أمام حقيقة ميل المانحين الأمريكيين إلى القطاع الديني، مما لا يدع مجالا للشك للتأثير الذي يمارسه الدين في الشعور الجمعي للأمريكيين والغربيين عموما، بالرغم من المحاولات المستميتة للتضليل والإيهام بهامشية الدور الديني في المجتمعات الغربية العلمانية.
-أما المساهمات في الميدان التعليمي فتقدر بـ 64 مليار دولار ثم الخدمات البشرية بـ 56 مليار دولار، فالمجالات الصحية بـ 54 مليار دولار، ومؤسسات النفع العام في المجتمع بـ 37 مليار دولار، والثقافة والعلوم والفنون بـ 22 مليار دولار، والقطاع البيئي بـ 14 مليار دولار….
– وتعبر هذه الأرقام عن الحس المشترك للأمريكيين للمساهمة في دعم التنمية للبلاد، وعدم انتظار تدخل الدولة والاقتصار فقط على جهود الأجهزة الحكومية.
×فيما يخص التصور الإسلامي:
– إن منطلق التصور الإسلامي للإنسان والمجتمع والحياة والكون شاملويقوم على مجموعة من الأطر العامة والمسلمات الأساسية التي تتكامل فيها الأبعاد الوجودية (الأنطولوجية) والمعرفية (الإبستيمولوجية) والمنهجية (الميثودولوجية) في نسق مترابط منسجم، تحت ظلال المعاني الربانية التي يضمها كتاب الله جل وعلا، والتوجيهات المعصومة التي تزخر بها السنة النبوية الشريفة.
– إن الأرقام والإحصاءات المذكورة سلفا لا تسوغ تبخيس عمل الخير والإحسان في المجتمعات الإسلامية، فلايكادالمرءيرىمجلساأوموقفا،أومناسبةإلاوشاهدفيهامظهرامنمظاهرالعملالخيري. لكن ما يعاب على مجهوداتها في الغالب:
* الطابع العفوي وطغيان النزعة الفردية على فكر الجماعة.
* حب السيطرة والتحكم في قيم التعاون والإيثار.
* عدم رقي العمل المؤسسي إلى المستوى المطلوب، في ظل إهمال الدور الفاعل للفكر المؤسسي والجهود المشتركة الجماعية.
* الهاجس البيروقراطي الإداري الجامد، في ظل القوانين والأنظمة السائدة.
– إذا كان العمل الاجتماعي في العالم الإسلامي يميل إلى حد بعيد إلى العفوية والفردية فهو بذلك يفوت على الأمة الجهد والوقت للنهضة بهذا القطاع، لذلك أصبحت الضرورة تقتضي الاستعانة بالعمل المؤسسي لعدة اعتبارات:
* مبدأ العمل الجماعي راسخ في الشريعة الإسلامية، لأن قرارات الأفراد مهما بلغت من الدقة والكفاءة لن تستطيع مضاهاة تراكم الجهود البشرية واستثمار كافة القدرات والطاقات الإنتاجية.
* ينزع العمل المؤسسي إلى الموضوعية في تحديد الأهداف والغايات ووضع القواعد والسياسات وتسطير الخطط والبرامج بما يتفق مع رؤية المؤسسة، بعيدا عن الذاتية المفرطة للأفراد أو التفرد بالقرارات المصيرية التي قد تكون سببا مباشرا لضياع الجهود وتبدد الطاقات ومحدودية التأثير.
– ولترسيخ العمل المؤسسي في المجتمعات الإسلامية ينبغي:
* بناء قاعدة معرفية نظرية أساسها الأفكار وآليات العمل النفسية والاجتماعية المستمدة من العلوم الإنسانية التي أثبتت فعاليتها بعد إخضاعها للاختبار الميداني الواقعي وبعد التثبت من الاستنباطات البشرية التفصيلية.
* الدقة في تحديد الأهداف ووضع الخطط وتسطير طرق التحليل المنهجي المنظم للقضايا والمشكلات.
-ولا ينبغي أن يفهم من ذلك القطع الجذري التام مع إسهامات العلوم الحديثة في ميدان العمل الاجتماعي، بل ينبغي استيعابها، ثم استثمارها في أرقى صورها بعد تنقيتها من الشوائب التي تتعارض مع النسيج الثقافي والحضاري الإسلامي، مع الاستفادة من النجاحات التي حققتها الإسهامات العلمية في الواقع الميداني والممارسة العملية عند الغرب.
– ينبغي توفير الطاقات البشرية المؤهلة من خلال عملية تدريب العاملين في هذا المجال على جمع البيانات والإحصاءات وقراءة الأرقام من أجل التدخل المهني المناسب في وضعيات متغيرة يفرضها نمط الحياة المتسارعة وتعقيد الحياة الاجتماعية، مع وجود نظام للمراقبة والمتابعة والتقويم الذاتي المستمر للتأكد من سلامة التخطيط والتنفيذ، أو الوقوف على مكامن الخطأ ومواطن القصور، من أجل المراجعة والتصحيح وعمليات التعديل أو الإلغاء.
– وضع أساس تنظيمي وقانوني قوي يبتعد عن البيروقراطية الإدارية الجامدة ويشجع على أعمال الخير والإحسان ويحد الخروقات والتجاوزات، فيضرب على أيدي مرتكبيها بيد من حديد.
وفي الأخير، ينبغي أن ندرك أن العمل الاجتماعي بالرغم من طابعه العلمي العملي، وهيكله المؤسسي المنظم، وصبغته الاحترافية، إلا أنه ليس مهنة تمتهن أو حرفة تحترف أو نتيجة لتنظيرات فكرية معاصرة أو هدفا في حد ذاته، على الوجه الذي نراه في المنظور الغربي، فهو قبل كل شيء طاعة لله عز وجل، وعمل يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى، يشترك فيه الأفراد والجماعات والمجتمعات، يكون الإنسان محركه الأول، الفاعل فيه والمتفاعل معه لكي تتحقق التنمية الاجتماعية وتتراجع الأثرة والأنانية وتواجه مظاهر الفقر والتخلف في المجتمع، وتنزه الأمة عن العبثية والحرمان، والغاية الأسمى تحقيق السعادة الدنيوية والآخروية، امتثالا لقول الله جل وعلا: ﴿وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ﴾ (سورة البقرة، الآية 30)، وذلك من خلال عمارة الأرض وتحقيق مقاصد الاستخلاف النبيلة.
والحمد لله رب العالمين.
تعليقات