تقرير مناقشة أطروحة دكتوراه: إشكاليّة التكلّم في أخبار التاريخ
قئة المقال: | تقارير |
---|
تقدم الباحث وليد عبد اللاوي بمناقشة أطروحة دكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية –جامعة صفاقس تونس، يوم 9 سبتمبر 2021، بعنوان “إشكاليّة التكلّم في أخبار التاريخ من خلال نماذجَ من “تاريخ الرسل والملوك” للطبري و”مروج الذهب ومعادن الجوهر” للمسعودي. تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمد بن محمد الخبو. وأمام لجنة علمية تكونت من السادة الأساتذة: الأستاذ محمد بن عياد، رئيسا، والأستاذة آمنة الرميلي مقررا والأستاذ نورالدين بن خود مقررا والأستاذ فيصل سعد عضوا. ونال الباحث الشهادة بملاحظة مشرّف جدا.
وقد تم افتتاح جلسة المناقشة بكلمة الطالب الذي قام بتقديم ما احتوته الأطروحة من أفكار عامة في مختلف عناصرها.
وقد برّر الباحث دواعي اهتمامه بإشكاليةِ التكلّمِ في أخبارِ التاريخِ بعدة اعتبارات أهمّها:
أولا: اعتبار العديد من الباحثين أنّ الخطاب التاريخي خطابٌ موضوعي وعادة ما يكُونُ فيه المُتكلّم مُحايدًا.
- ثانيا:الاعتقادُ بأنّهُ لا يُوجدُ خطابٌ خالٍّ من الذاتيةِ مهما ادعى صاحبهُ الموضوعية.
- ثالثا: الخُروج بالنص التاريخي من مجال الدراسةِ التاريخيةِ إلى مجالِ الدراسةِ الأدبيةِ.
وقد برّر اختيار المدونة بعدة أسباب
:أولاً : ما يتسمُ به هذانِ المُصنّفانِ من قيمةٍ علميةٍ ثابتةٍ، فهُما يُعدانِ من أمهات الكُتب في التاريخ.
- ثانيًا: تباين منهج التأريخ في “تاريخ الرسل والملوك” و“مروج الذهب ومعادن الجوهر”، فالطبري من الأوائلِ الذين كتبوا التاريخَ، ويستعملُ منهج الإسنادِ، فينقُل رواياتً عديدةً عن الحدثِ الواحدِ. أمَّا المسعودي، فهومن الأوائل الذين حادُوا عن منهج الطبري وأسس منهجًا خاصًا به في الكتابةِ التاريخيةِ، فينتقِي روايةً واحدةً عن الحدثِ المروي ويُعيدُ تشكيلَها حسبَ رُؤيتِه.
- ثالثا: التباينُ الايديولوجي بين المؤرخين، فالطبري ينتمي إلى أهل السُنةِ، أمَّا المسعودي، فهو ينتمي إلى الشيعة، ومن شأن ذلك أن يخلِق تباينا في نقل الماضي وعملية الإحالة على المرجع.
أما في مستوى المنهج فقد استأنس الباحث في عمليةِ استقراءِهذه الأخباربالسرديات التلفظية والتداولية،فتعامل معها باعتبارهَا نُصُوصًا سرديّةً تقتضي ما يقتضيهِ النصُ السرديُّ من وُقوفٍ على مُكوناتِ الخطاب واستصفاءِ أثَرِ المُتكلمينَ فيه، فاستفدتُ من اسهامَاتِ ديكرو (Ducrot) وريفارا(rivara)وأركيوني (Orecchioni) حول مسألةِ التلفظِ في الخطابِ. واستفاد من نظريةِ العوالمِ المُمكنةِ، فاستأنستُ بآراءِ دوليزال(Dolezel)وسول كريبك (Saul kripke) حول مسألةِالعالمِ والمرجعِ والإحالةِ، إضافة إلى بعض الدراساتِ الإجرائيةِ مثل كتاب “الشخصية القصصية للأنبياء بين النص القرآني ونصوص قصص الأنبياء” لنوارة محمد عقيلة.
واستعان كذلك بآراءِ بول ريكور(Paul Ricœur )حول الكتابةِ التاريخيةِوبعض الدراساتِ الإجرائيةِالتي تناولت النصوصَ التاريخية من وجهة نظر أدبيةٍ مثل كتاب “قراءات في القصص” لمحمد بن محمد الخبو وكتابي محمد بن عياد “المقام في الأدب العربي” و”الكيان والبيان“.
وبنى وليد عبد اللاوي بحثه بناءً ثُلاثيًا، تصدّر الأبوابَ الثلاثةَ مدخلٌ اصطلاحيٌ عرّف فيه ببعض المُصطلحات مثل التكلّم والمُتكلّم والتاريخِ والخبرِ. ثم قدم بعض البحوثِ التي اهتمت بالخبرِ التاريخي، وسعى إلى مُحاورتِها من حين إلى آخر.
وقد آثار في كل بابٍ من هذه الأبوابِ إثارةَ إشكاليةٍ رئيسيةٍ، فاهتم بهويّة المُتكلمينَ في الباب الأول، وقد فرعت إلى ثلاثة فُصول حسب أنواع المُتكلمينَ، أمّا في الباب الثاني، فقد حاول الانفتاحَ على مسألةِ العالم، فدرس مسألةَ”الرواة والعوالم المرويّة”،وقد فرعه إلى فصلين اثنين: اهتم في الفصل الأول بالعوالم المرويّة وإحالتها على المرجع. ودرس في الفصل الثاني طبيعةَ الرُواةِ من خلال العوالم التي شكلوها. وفي الباب الثالث إشكالية ثالثة، وهي أدبيّة الخبر التاريخي.
وانتهى الباحث إلى جُملةٍ من النتائجِ يُمكنُ حصرها في النقاط الآتية:
- النقطة الأولى : إنّ الذي يتكلّم في الخبر التاريخي ليس المُؤرخ الكائن في التاريخ (الذات المتكلمة) فحسب، إنّما هُناك كائنات خطابية تنهضُ بعملية التكلّم.
- النقطة الثانية : رغم إيهام الراوي بحياده في عملية نقله للمرويات، فإنّه سرعان ما ينخرطُ فيها، فيظهرُ مُفسرًا ومُدافعا ومُبررًا وناقدًا وموضحًا وهي علامات تُؤكدُ حضورهُ.
- النقطة الثالثة: العوالم المرويّة في الخبر التاريخي كثيرا ما تلتبس بجهة اعتقاد الراوي وآرائه، ولذلك، فهي لا تُحيلُ على العالم المرجعي، وهي لذلك تنزع إلى أن تكون تخييلية.
- النقطة الرابعة: غُمُوض صيغ الرواية في الخبر التاريخي، والتباس الأسانيد مثل ما نجده في الخبر الأدبي.فكثيرا ما يرد المُحدث إليه أو المُحدث نكرة غير معروف من قبيل “بعض الناس” و”جماعة من الناس”.
- النقطة الخامسة: يعدل الإسناد في أخبار التاريخ عن وظيفتي التحقيق والتوثيق،وينهض بوظائف أخرى مثل الإيهام والتأسيس والإثارة.
- النقطة السادسة: إنّ سرد الأحداث لا يخضعُ للحقيقة التاريخية بقدر ما يخضعُ لأهواء المُتكلّم وما يؤمن به من أفكار.
- النقطة السابعة: لا يوجدُ فرق كبير بين ما ينهضُ به المُتكلّم في النُصوص التخييليّة والمُتكلم في النصوص التاريخيّة، فكلاهما يسرُدُ الأحداث حسب رؤيته الخاصة.
- النقطة الثامنة: لا توجدُ حدود واضحة بين التاريخ والأدب عند العرب قديما.
وبعد انتهاء الباحث أُحيلت الكلمة إلى أعضاء اللجنة العلمية تباعا لمناقشة هذا العمل. وبعد المناقشة العلمية الهادفة التي تفضل بها كلّ أعضاء اللجنة العلمية والتي أضاءت بعض ما جاء غامضا في خطبة الباحث أُعيدت الكلمة إلى الطالب فتفضّل بالإجابة عن بعض التساؤلات التي توجّه بها أعضاء اللجنة الكرام، لتختلي بعد ذلك اللجنة وتناقش ما جاء في الجلسة العلمية للمناقشة، وتمّ على إثرها إسناد شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وحضارتها وآدابها للطالب بملاحظة مشرّف جدا .
تعليقات