الجلسة العلمية الثامنة والتاسعة من ندوة الدولة والدين

قئة المقال:تقارير
نجاة ذويب – تونس
تمّ اليوم اختتام فعاليات الندوة العلميّة “الدولة والدين” بإشراف مخبر البحث تجديد مناهج البحث والبيدغوجيا في الإنسانيات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان بعد عقد جلستين علميّتين، الأولى برئاسة الأستاذ علي الغيضاوي (تونس) وشارك فيها الأستاذ توفيق السالمي (تونس) بورقة عنوانها “في تنافي الدولة والدين” بيّن من خلالها أنّ الدين منظومة متشابكة من المقاربات الوجودية والاجتماعية. ويزعم كل دين أن مصدر مقارباته إلهي. وتعمد الأديان عادة سواء في نصوصها التأسيسية ذات المصدر السماوي أو من خلال النصوص الثواني التي تفسر النص الأصلي إلى وضع قوانين أو نواميس لتسيير حياة الناس. فالشرع الإلهي يحدد للناس كيفيات تنظيم حياتهم. ويعبر الدين عن حالة من إدراك الوجود الإنساني الذي لا يتغير. إنه في كلمة التعبير عن وعي الإنسان بذاته وبالطبيعة والوجود القائم على فكرة الجوهر والثبات.

أما الدولة فهي كيان اجتماعي موصول بحركة المجتمع صعودا نحو آفاق إنسانية أفضل. فهي العبارة التشريعية والمؤسساتية للوعي الإنساني بضرورة تنظيم حياة الناس بما يتناسب ومصالحهم. إنها التجسيد المادي للوعي البشري بضرورات الحياة المتحولة، أي المنتقل من متصور الجوهر والثابت إلى متصور التغير والصيرورة. ولا شك في أن مفهومي الدولة والدين مفهومان مختلفان. غير أن هذين المفهومين التصقا ببعضهما التصاقا يجعل الفصل بينهما أحيانا من العسر بمكان، بل ويجعل الرائي يعتقد أن في تجاورهما الدائم انسجاما وتلاحما. فلم يكن الدين بما هو نصوص وتشريعات وتعبدات لا بمعناه الانتروبولوجي بمنأى عن الدولة انسجاما وتنافرا. فالعلاقة بينهما دائمة. ولكن هذه العلاقة لا تقوم دوما على الانسجام، بل إن الأصل في العلاقة بينهما هو التنافر. غير أن التنافر سرعان ما يتحول إلى انسجام عندما يتحول الدين إلى خادم للدولة وتصبح الدولة خادمة للدين. وعلاقة الانسجام بين الدين والدولة سرعان ما تغير من طبيعة الدين كما من طبيعة الدولة. فالدين يفقد أصله ويتخلى عن حقائقه لصالح حقائق الملك أو الدولة فيتخذ صورة الرافعة الأيديولوجية للدولة،

وشارك الأستاذ  منجي براهمي بورقة عنوانها  أزمة الخطاب العلماني في الفكر العربي المعاصر بين من خلالها  دواعي اختيارنا لهذا البحث عمق تمركز العلمانية في الخطاب العربي المعاصر ( السرديات الشمولية لعلاقة الدين بالدولة ) وكثرة الجدل حولها بين خصوم متشددين ومعتدلين وقد استقطب هذا النقاش أبرز أعلام الفكر والثقافة في الوطن العربي فمسألة الحرية مطروحة منذ القديم في مفهوم المدينة في كتاب السياسة لأرسطو واشتهرت في الفكر الإسلامي في فلسفة ابن رشد, وعادت لساحة الجدل في فكر النهضة في مناظرات العلم و المدنية بين الأفغاني و أرنست رينان و كتاب ابن رشد وفلسفته لفرح أنطون و كتابات محمد عبده, لكن إعادة طرحها في السياق المعاصر كان أكثر جدية و أشد حدة بين الخصوم بين مضرب عن التفكير مجادل بطابع إيماني ومفكر يمارس أقنعة العقلانية التنويرية و أخر يمارس نقدا للعقلانية والليبيرالية على غرار هذه الإشكالات الضرورية مازال تعريف مفهوم العلمانية في السياق العربي ملتبسا فهنالك من يربطها بالكفر و الإلحاد , لكن مدار العلمانية ليس اللاهوت و إنما هو تنظيم المجتمع و بلورة رؤية جديدة للعالم فالعلمانية بما هي مفهوم فلسفي سياسي تشير في معناها و مقصدها إلى العقلانية النقدية في مواجهة الدوغمائية , فهي سؤال مستمر و إشكال دائم ضد البداهات المعتمة في المجال التداولي العربي

أمّا الأستاذ عادل بحرون فقد شارك في ورقة عنوانها ” الرّأسماليّة والدّولة في أمريكا (ما بعد) الحداثة في مسرحيّة  “يوجين أونيل” The Hairy Ape (1922)

تناول فيها العلاقة بين الرّأسماليّة والدّولة في أمريكا (ما بعد) الحداثة عند الكاتب المسرحي الأمريكيّ “يوجين أونيل” بعد أن أزاحت الدّولة الرّأسماليّة الدّين /الإنجيل باعتباره مصدر القوانين والأخلاق لتعتمد الذّات على الرّأسماليّة نظاما ايديولوجيّا قادها إلى التّفكير السّياسيّ العدميّ ويدرس الكاتب الظّرف الإنسانيّ في أمريكا الحديثة في أوائل القرن العشرين ويطرح الإشكاليّة السّياسيّة مصوّرا الإنسان حيوانا سياسيّا في صورة القردة استنادا إلى المفهوم الأرسطيّ. وبأسلوب دراميّ يصوّر الكاتب الدّولة الرّأسماليّة بأجهزتها الكليانيّة وهي تحرم الذّات من حقوقها الوطنيّة، فغياب المساواة والحرّيّة والدّيمقراطيّة يعكس المنهج السّياسي الكليانيّ. وقد أدّى هذا بالذّات إلى الاحتجاج ضدّ الاستبداد والقمع. وقد دعا الكاتب عبر شخصيّاته المسرحيّة إلى التّمرّد والفوضى لتأسيس أجهزة نظام جديدة وتأسيس أمريكا (ما بعد) الحداثة حسب ما يقتضيه الدين.

وكان ختام الجلسة بورقة الأستاذ جمال الطاهر عبد العزيز بورقة عنوانها ” الطابع الإشكالي للعلاقة بين الدين والدولة مقاربة تحليلية لطبيعة العلاقة ما بعد أحداث الربيع العربي” أثار من خلالها عديد التساؤلات من قبيل هل العلاقة ما بين الدين والدولة هي علاقة ضرورية ؟ وإذا كانت الإجابة بالإيجاب فكيف سيكون شكل هذه العلاقة ؟ وما هي مظاهرها ؟  وهل بالضرورة أن يتم استنساخ النموذج الغربي لشكل هذه العلاقة وحشره في النموذج العربي ؟ أم أن المجتمعات تختلف بيئيًا واجتماعيا وثقافيًا وبذلك فلكل مجتمع خصوصيته ؟لقد ظهرت إشكالية العلاقة ما بين الدين والدولة منذ قرون طويلة ، إلا أن هذه العلاقة عادت لتظهر من جديد بعد أن فرضت نفسها على الواقع السياسي والفكري  وذلك كنتيجة لما يسمى بأحداث الربيع العربي ، حيث عاد الجدل من جديد ما بين الدين والدولة

أمّا الجلسة العلمية الثانية وفكانت برئاسة الأستاذة زهية جويرو (تونس) وشارك كلّ من الباحثة عقيلة دبيشي (فرنسا) عنوانها “تسييس الدين تحد أمني جديد”بيّنت من خلالها أن إشكالية الخلط المفاهيمي وتباين التأصيل لدى السلفية الجهادية في دعوتها وسعيها إلى إقامة الخلافة الإسلامية، تتمظهر  في غياب التمييز والوعي لدى منظري السلفية الجهادية بين مصطلح “الدولة” ككيان سياسي حديث، ومفهوم الكيان السياسي للخلافة . الأمر الذي قد يضع الباحث في فلسفة الدولة لدى الحركات السلفية الجهادية أمام إشكاليات في تحديد معالم وأبعاد الدولة الإسلامية التي تسعى السلفية الجهادية إلى إقامتها ! وسعيا لدراسة المشكلة محل البحث فإننا نرى تناولها من خلال التساؤلات البحثية التالية:ما هي مصادر التأصيل الفكري لدى الحركات السلفية الجهادية في إقامة دولة الخلافة ؟ما هو الفرق في فلسفة إقامة دولة الخلافة بين تنظيم القاعدة وتنظيم “داعش”؟ ما هي مراحل وأساليب الوصول الى التمكين في الفكر السلفي الجهادي ؟ هل أن فلسفة الدولة لدى الحركات السلفية الجهادية بتوسلها بمثالية ماضوية لأغراض واقعية تغييرية، تعتبر فلسفة تجديدية وتحديثية لاستعادة نظام الخلافة؟ ماذا افرزت تجربة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) بإعلان الخلافة في 29 يونيو 2014 ؟ ومقصدنا في هذا البحث، في إطار توضيح علاقة الدّين بالدّولة و الأنظمة التي تُصاغ لتسيير شؤون البلاد في العالم العربي والإسلامي ، هو السعي إلى رصد فلسفة الدولة لدى الحركات السلفية الجهادية ، التي دعت إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية  ذلك المفهوم الذي يحتل ، موقعا مهما في فكر الجماعات الإسلامية عموما وفي فكر السلفية الجهادية خصوصا”، باعتباره “حراسة للدين وسياسة للدنيا”، والذي أقدمت إحدى فصائل السلفية الجهادية وهو تنظيم (داعش) على إقامتها في أجزاء من العراق وسوريا في 29يونيو 2014.

والأستاذ محمّد الصادق بوعلاقي عنوانها “الدولة والدين في المجتمعات العربية من عوامل التداخل إلى أفق التمايز”

وشارك الأستاذ محمد السويلمي (تونس) بورقة عنوانها “الدولة في أيديولوجيا الإسلام السياسي: التباسات المفهوم ومفارقات الخطاب يحتل مفهوم الخلافة الإسلاميَّة”بين فيها أنّ هذا المبحث “الدولة في أيديولوجيا الإسلام السياسيّ: التباسات المفهوم ومفارقات الخطاب” قراءة تحليليّة ونقديّة لأدبيّات الإسلام السياسيّ على تنوّعها في مفهوم الدولة فاعلا سياسيّا مناوئا ومشروعا مجتمعيّا بين الراهن والبديل من تنظيرات الآباء المؤسّسين كالمودوديّ وحسن البنّا وقطب إلى تأصيلات المنظّرين المعاصرين كالقرضاويّ والغنّوشيّ والترابيّ والمقدسيّ وغيرهم من الذين تعهّدوا ذلك التراث التنظيريّ بالتطوير والتحوير والتحيين. لذا يتأسّس هذا المبحث على قسمين متعاضدين: قسم يهتمّ بماهية الدولة وخصائصها في هذه الأدبيّات من حيث المطاعن الموجّهة إلى النموذج السياسيّ السائد والبديل الذي يصطنعه الإسلام السياسيّ أفقا للخلاص والنهضة، وآخر يبحث في مرجعيّات هذا التصوّر ومسوّغاته وآفاقه. تنبني خطابات الإسلام السياسيّ في الدولة على إعادة تخييل الماضي واختلاق العصر الذهبيّ الذي يمثّل المورد التاريخيّ في التنظير والاستدلال بما يجعل هذه الأيديولوجيا تفتقر إلى منظور دقيق ورصين عن مؤسّسات هذه الدولة وأدواتها وعلائقها الإقليميّة والعالميّة ومواقفها من الرهانات المعاصرة كحقوق الإنسان والمواطنة والأقلّيّات والآخر والمنجزات العلميّة والتقنيّ. وهو ما يجعل أدبيّات الإسلام السياسيّ أيديولوجيا حالمة تعتورها تناقضات مفهوميّة كالجمع بين الديمقراطيّة والشورى أو التمثيل النيابيّ وأهل الحلّ والعقد أو الدستور والشريعة أو الرقابة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقدر الذي تنكشف فيه مفارقات الممارسة التي تتهاوى فيها مزاعم الخطاب بالخلافة الجامعة والأمّة الواحدة وتطبيق الشريعة ومجتمع العدل والفضيلة لصالح التكيّف مع مقتضيات الدولة السائدة وإكراهات البيئة السياسيّة محلّيّا وعالميّا

وساهم الأستاذ عماد علو ورقة عنوانها ” تحد فلسفة إقامة الدولة الإسلامية في الفكر السلفي الجهادي من الإمارة إلى الخلافة: دراسة تأصيلية في فكر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بين فيها أنّ  مفهوم الخلافة الإسلاميَّة يحتلّ، أو (الإمامة العظمى) ، باعتباره “حراسة للدين وسياسة للدنيا”، كما تعبر عنه الأدبيات السلطانية، أو باعتباره “نيابة عن الأمة في السلطان وتنفيذ الشرع”، موقعا مهما في فكر الجماعات الإسلامية، ويعد حزب التحرير الإسلامي الذي تأسس في عام 1953 من أكثر الجماعات التي تمحور خطابها حول “إقامة الخلافة الإسلامية”، إذ يرى الحزب ضرورة إعادة الخلافة الإسلامية، ويعدّها حلاً لجميع مشكلات العالم الإسلامي.  أما جماعة الإخوان المسلمين ، فهي تولي فكرة الخلافة الإسلامية، ذات الأهمية، لكنها تدرجها ضمن نشاط حركي يبدأ بالدولة الإسلامية، وينتهي بالخلافة، حيث يوضح مؤسس الجماعة ومرشدها الأول حسن البنّا موقف الجماعة من الخلافة، بقوله “إن الإخوان يعتقدون أن الخلافة رمز الوحدة الإسلامية، ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وأنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في أمرها، والاهتمام بشأنها، والخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله”. أما الخلافة لدى السلفية الجهادية فهي تتمحور حول نقطتين متلازمتين الاولى هي تكفير الأنظمة والمجتمعات الإسلامية، والثانية هي: العمل على إسقاطها وإقامة الخلافة المزعومة بديلا لها، فتقدمت “السلفية الجهادية” بمشروعها لإدارة حاجيات الناس وحفظ الأمن والقضاء بين الناس وتأمين الحدود، وهو ما يفسر كلمة “دولة” والتي كانت هدفا للقاعدة من قبل، ليختلف الظواهري والبغدادي على كونها دولة علمانية أم وطنية. من هنا فان الحديث عن الخلافة الإسلاميَّة، أو (الإمامة العظمى) يطول، وقد كَتَب فيه كثيرون قديمًا وحديثًا، ولا تفِي بحقِّه مقالةٌ أو بحثٌ وجيز؛ لذلك سيكون الكلام هنا مركزا” على فلسفة دولة الخلافة في الفكر السلفي الجهادي و إعلان الخلافة بالطريقة التي تمَّت في حاضرنا اليوم من قبل تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) ، وذلك من ناحية الواقع التاريخي والاجتماعي  وما آلت اليه تجربة الخلافة المزعومة في سعيها لإثبات علاقة الدّين بالدّولة التي تُصاغ لتسيير شؤون الناس.ان إشكالية الخلط المفاهيمي وتباين التأصيل لدى السلفية الجهادية في دعوتها وسعيها إلى إقامة الخلافة الإسلامية، تتمظهر  في غياب التمييز والوعي لدى منظري السلفية الجهادية بين مصطلح “الدولة” ككيان سياسي حديث، ومفهوم الكيان السياسي للخلافة . الأمر الذي قد يضع الباحث في فلسفة الدولة لدى الحركات السلفية الجهادية أمام إشكاليات في تحديد معالم وأبعاد الدولة الإسلامية التي تسعى السلفية الجهادية إلى إقامتها ! وسعيا لدراسة المشكلة محل البحث فإننا نرى تناولها من خلال التساؤلات البحثية التالية:ما هي مصادر التأصيل الفكري لدى الحركات السلفية الجهادية في إقامة دولة الخلافة ؟ما هو الفرق في فلسفة إقامة دولة الخلافة بين تنظيم القاعدة وتنظيم “داعش”؟ ما هي مراحل وأساليب الوصول الى التمكين في الفكر السلفي الجهادي ؟ هل أن فلسفة الدولة لدى الحركات السلفية الجهادية بتوسلها بمثالية ماضوية لأغراض واقعية تغييرية، تعتبر فلسفة تجديدية وتحديثية لاستعادة نظام الخلافة؟ ماذا أفرزت تجربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بإعلان الخلافة في 29 يونيو 2014 ؟ ومقصدنا في هذا البحث، في إطار توضيح علاقة الدّين بالدّولة و الأنظمة التي تُصاغ لتسيير شؤون البلاد في العالم العربي والإسلامي ، هو السعي إلى رصد فلسفة الدولة لدى الحركات السلفية الجهادية ، التي دعت إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية  ذلك المفهوم الذي يحتل ، موقعا مهما في فكر الجماعات الإسلامية عموما وفي فكر السلفية الجهادية خصوصا”، باعتباره “حراسة للدين وسياسة للدنيا”، والذي أقدمت إحدى فصائل السلفية الجهادية وهو تنظيم (داعش) على إقامتها في أجزاء من العراق وسوريا في 29يونيو 2014.

وقد عقدت حلقة نقاش موسّعة عقب الجلستين توضّحت من خلالها عديد الرؤى وساهمت في إثراء الورقات المقدّمة.

تعليقات