المؤتمر الدولي للعلوم الاجتماعية والفنون والعلوم الإنسانية (ICSAH) ينظم المؤتمر الدولي للعلوم الاجتماعية والفنون والعلوم الإنسانية (ICSAH) في الفترة من…
الديباجة:
ما لبث مصطلح “الراهن” يأخذ مكانة أكثر فأكثر اتساعا في عالمنا المعاصر، حيث يتم تداوله في مجالات عدة، ويزداد رسوخه في حياتنا اليومية بالنظر إلى انخراطنا في تدفق الأحداث التي تنقلها وسائل الإعلام والاتصال، وتكنولوجيا المعلوماتية، فقد اكتسحت هذه الأخيرة كل مناحي العالم المعاصر، ومنحت للمعاصرة في زمننا هذا مفهوما نوعيّا وفريدا، أنتجته وضعية التزامن المستمرّة مع مجريات الواقع، واضمحلال الفاصل الزمني بين وقوع الأحداث والأخبار التي تنقلها على أوسع نطاق، إذ صرنا نتابع كل التفاصيل “على المباشر”. مع ذلك، يبقى مصطلح “الراهن” صعب التحديد، منفلت الدلالة، وقليل الحظ من ناحية التنظير المعرفي، وتغلب على استعمالاته تقديرات غير مضبوطة، ومرهونة بتعدد سياقات الاستعمال نفسها، مما يطرح إشكالية في تعريفه وضبطه.
على الصعيد الفلسفي، يعتبر كارل ماركس من أول الفلاسفة الذين أسهموا في ترسيخ “الراهنية” في الفكر الفلسفي، فقد عمل ماركس مساعدا في صحيفة نيويورك تريبون New York Tribune وكانت تحاليله تنصب على الراهن الاقتصادي، وقد طور مفهوما للراهنية مفاده أنها القدرة على التفكير في الحاضر. لقد جعل من أهداف فلسفته الإجابة على تساؤلات الحاضر، وربط قيمة الفلسفة براهنيتها، أي بقدرتها على التفكير في الحاضر. على أن ميشال فوكو، يجعل من كانط، أول فيلسوف واجه بين الفلسفة وزمنيتها، وساءل راهنية الفكر الفلسفي في محاولته لتحديد “جوابا عن سؤال: ما التنوير؟”، « ينبِّهنا فوكو، في محاضرة ألقاها بكوليج دو فرانس Collège de France، محاولاً قراءة أو بالأحرى إعادة قراءة النص الكانطي المعني بالتنوير و تأويله على ضوء الفلسفة المعاصرة، إلى كون أنّنا أمام نموذج جديد من السؤال و التساؤل في مجال التفكير الفلسفيّ هو سؤال: «الحاضر الراهن: ماذا يجري راهناً؟ وما هو هذا الراهن الذي نحياه الآن والذي يحدد طبيعة اللحظة التي أكتب فيها وفكر بها؟». في هذا المضمار كتب فوكو: «يبدو لي أنه انطلاقاً من النص الكانطي عن التنوير، تقوم الفلسفة ولأول مرة بصياغة الأشكال المتعلقة براهنيّتها كبناء عقلي، تسائِل تلك الراهنية بوصفها حدثاً ينبغي تحديد دلالاته وقيمته وتميزه الفلسفي من جهة، وبوصفها تأسيساً للقول الفلسفي وأهم مبرراته من جهة أخرى».
يعود فوكو ليطرح نفس السؤال الذي طرحه كانط حول ماهية التنوير، وينتهي بتأسيس ما يصطلح عليه بـ”أنطولوجيا الحاضر”، إذ يقوم بمراجعة شاملة لتعريف الفلسفة ووظيفتها ليتساءل تحديدا عن معنى التفلسف اليوم. يؤكد فوكو أن المطلوب من الفلسفة لم يعد الخوض في الكليات، «ذلك أن ادعاء الكلية قد تلاشى اليوم كي تصبح الفلسفة منشدّة أكثر إلى “الحدث”. « أنا لست فيلسوفا بالمعنى التقليدي للعبارة، وقد لا أكون فيلسوفا بالمرّة، أو على الأقل فيلسوفا جيدا، وعلة ذلك أنني لا أنشغل بالأبدي وما لا يطرأ عليه التغير وما يظل هو هو خلف تبدل المظاهر، إنني أنشغل بالحدث».
يتبوأ الحدث مكانة مركزية في الفكر المعاصر، وقد أسهمت عدة عوامل في منحه هذه المكانة، ومن أبرزها وسائل الإعلام والاتصال، «وسائل الاتصال هي، أولا وقبل كل شيء وسيلة وأداة وتقنية ووسيط، لكنها في الوقت نفسه مشروعات وأشكال تعبير» ، ولعل الصحفيين هم أول المعنيين بمصطلح الراهنية، من الناحية العملية، كونها تمثل المادة الخام لمهنتهم، ولأنهم يتعاطون معها يوميا من خلال متابعتهم ونقلهم للأحداث والمعلومات والأخبار.
إن وسائل الإعلام، المكتوبة، المسموعة والمرئية، هي التي تحدد ما يدخل في إطار الراهن وتشكله من خلال عملية انتقاء لمجموعة من الأحداث التي تقع، ففي ظل استحالة نقل كل ما يحدث ضمن فترة معينة مهما كانت قصيرة، يعمد الصحفيون إلى اختيار أحداث معينة واقتطاعها للجمهور على أنها تشكل الراهن.
أفرزت الطفرة الإعلامية الحاصلة اليوم بفضل تطور تكنولوجيات الإعلام والاتصال وضعية فريدة، لم تعرفها البشرية في مراحل سابقة، وضعية تتلخص في إمكانية متابعة ما يحدث وهو يحدث، حيث تمحي المسافة الزمنية بين وقوع الحدث وعلمنا به، وقد نتج عن هذه الوضعية انعكاسات كثيرة على أصعدة عدّة، من بينها تغير علاقة الإنسان المعاصر مع الزمن، وقد كانت هذه العلاقة موضع تأمل وتفكير متجدد من قبل الفلاسفة، وبناء عليها طوّر المفكر فرانسوا هارطوغ François HARTOG أطروحته الشهيرة عن “الحاضرانية” باعتبارها نظاما زمنيا جديدا. لقد تحولت وسائل الإعلام والاتصال في عصرنا هذا من ناقلة للحدث إلى صانعة له، بالنظر إلى قدرتها على توجيه الأحداث عن طريق تشويهها أو قلبها بل وخلقها أحيانا. «نحن نشاهد الحدث يمرّ بطرقٍ مختلفة، بحسب خلفية وسائل الإعلام، وبحسب ما يريده المجتمع، فالأمر في جوهره أشبه ما يكون بالطريقة التي تناول بها ميشال دو سيرتو Michel de Certeau مصطلح “صناعة التاريخ”.
أما على الصعيد التاريخي فقد حدثت نقلة نوعية في مفهوم التاريخ نفسه، وبدأ الاهتمام بالذاكرة والذاكرات بالجمع، يتزايد يوما بعد يوم، وظهر تيار جديد يعيد مساءلة علم التاريخ بمعناه المعروف، وإعادة تعريف كتابة التاريخ وتوسيعه ليشمل الراهن. حيث ظهر تيار كتابة “تاريخ الزمن الحاضر”، وهو يعني التاريخ الذي لا يزال فاعلوه وشهوده على قيد الحياة. وقد تغيرت كذلك هوية كاتب التاريخ، من المؤرخ إلى الصحفي، والشاهد، والضحية، والمؤسسة القضائية التي يُطلب منها أن تبث في قضايا ومسؤوليات تتعلق بالماضي.
وبالعودة إلى مصطلح “تاريخ الزمن الراهن”، فسنجد أنه قد جاء نتيجة زيادة الطلب الاجتماعي على المؤرخ لكي يؤدي دورا في توضيح اللبس وحالة البلبلة التي اكتسحت أذهان عامة الناس جراء “دمقرطة الخبر”، وتدفقها بحيث يصعب التحرر من سطوتها والتمييز بين غثها وسمينها. «لقد شهد العالم مع الطفرة الإعلامية والتقدم الهائل في وسائل الاتصال تحولات مهمة تمخّض عنها تحوّل في المفهوم التقليدي لمهنة المؤرخ لمصلحة المفهوم المعاصر للتاريخ. فالمؤرخ مطالب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بكتابة تاريخ الزمن الحاضر، بحكم تسارع وثيرة الحوادث وتنوع مصادر الخبر، وبسبب اهتمام المجتمعات المعاصرة بالراهن؛ فمؤرخ اليوم هو من يستثمر تجربته ومشاركته في الحوادث والوقائع التي يؤرخ لها وهي تقع».
يزودنا “الراهن” بوصفه معطى دلاليا بصورة عن الواقع المرتبط بفعالية زمنية هي الحاضر، لكن الراهن لا يغطي كل مجريات الحاضر، بل ينتقي منها لصياغة تمثيل معين، ومن يمتلك سلطة التمثيل هو من يمتلك السلطة. لذلك يصبح تمثيل الواقع في راهنيته مناط صراع بين مختلف الفاعلين الاجتماعيين، «فهو يتأسس ضمن صراع القوى الاجتماعية والفئات المختلفة على احتكار قراءة للواقع تجعلها في مستوى (الحقيقة) أي ما يكون موجّها للبثّ والترويج الإعلامي والدعاية السياسية، وما يكون في أساس تبرير سيطرة السلطة»
يتورط الأدب عموما، والأدب الروائي خصوصا في هذا الصراع بطريقتين؛ فهو بحكم تطلعه المطلق لتمثيل الواقع، ينتج بدوره تمثيلا عن جملة التمثيلات المتصارعة فيه، أي أنه يعكس صورة ما عما يوصف بـ”الراهن”، لكنه ينخرط بدوره كطرف في الصراع، حين يكشف عن نسبية “الراهن” ويقوم بترهين الصراع حوله، وبدوره ينتج خطابا يكون بمثابة تمثيل مضاد للراهن من خلال المحتوى النقدي الذي يتمفصل في الشكل الروائي.
بناء على ما سبق، نقف على ملاحظة أن “الراهن” بوصفه إحالة على الحضور ذا زمنية مراوغة وبالغة الهشاشة، فالحاضر يقف بين ماضي يعاد ابتكاره وتعاد صياغته باستمرار عن طريق قراءات جديدة له ضمن أفق الحاضرانية، والمستقبل يظل عصيا على التنبؤ، فلا تبقى إلا حالة من الديمومة بدون معالم، يسعى الراهن للترسخ فيها عن طريق اجتراح هذه المعالم من دفق الأحداث وفيض المعلومات وزخم الصور التي تجتاح حياتنا يوميا. على أن عملية التحديد هذه أو الاقتطاع والتأطير لما يكتسي صفة الراهنية مما لا يوصف بها ليس عملية بسيطة، حيث أنها تخضع لرهانات كبرى، خاصة في عصرنا، وتخضع إلى شبكة معقدة من علاقات القوى. يقول أحمد بوعلام دلباني: «فالواقع الراهن في نهاية الأمر ليس معطى موضوعيا مباشرا، بقدر ما هو خطاب منتج للواقع ذاته، وللحقيقة التي تبرر التسلط وتمنح المشروعية. وعليه فالراهن لا ينوجد إلا بوصفه تشكيلا معقدا من المعاني والدلالات ينبثق في صورة خطاب يؤسس لمعقولية المعيش والفكر في مرحلة تاريخية ما، ويخلع المعنى على الأشياء الصامتة وهذا لا يظهر إلا ضمن صراع القوى المختلفة على احتكار المعنى النهائي للأشياء بما يضمن سلطة المشروعية».
تتمحور إشكالية الملتقى حول كتابة الراهن من خلال الخطابات المختلفة التي تعمل عليه، والكشف عن الأنساق الكامنة في تمثيلاته المختلفة عبر مقاربات متعددة التخصصات، بتعدد هذه الخطابات وتباين طبيعتها بين خطابات تخييلية كالخطاب الأدبي والمسرحي والسينمائي، وخطابات توثيقية كالخطاب الفلسفي والإعلامي والتاريخ والسوسيولوجي والأنثروبولوجي.
محاور الملتقى:
شروط المشاركة:
samia.idris@univ-bejaia.dz وعلى البريد الإلكتروني للملتقى: collecrituredelactualite@gmail.com
الرئيس الشرفي للملتقى :السيد مدير جامعة عبد الرحمن ميرة بجاية
المنسق العام للملتقى: السيد عميد كلية الآداب واللغات أ. د. مراد بكتاش
رئيسة الملتقى: د. سامية إدريس، قسم اللغة والأدب العربي.
رئيس اللجنة العلمية للملتقى: د. بن علي لونيس، جامعة بجاية
أعضاء اللجنة العلمية :
أ. د. الزواوي بغورة، جامعة الكويت، الكويت
أ. د. خالد شاكر حسين، جامعة ذي قار، العراق
أ.د. صبا الفارس، جامعة تولوز 2، فرنسا
أ. د. منيرة شاتي، جامعة بوردو، فرنسا
د. رمزي حيدوسي، جامعة بوردو، فرنسا
أ.د. آمنة بلعلى، جامعة تيزي وزو، الجزائر
أ.د. عبد الله العشي، جامعة باتنة، الجزائر
أ.د. حميد بوحبيب، جامعة الجزائر2، الجزائر
أ.د. أحمد ختاوي، جامعة ورقلة، الجزائر
أ. د. أحمد التيجاني سي كبير، جامعة ورقلة، الجزائر
أ. د عباس بن يحيى، جامعة المسيلة، الجزائر
أ. د حميدي بلعباس، جامعة سعيدة، الجزائر
أ. د كريمة بلخامسة، جامعة بجاية، الجزائر
د. محمد مكاكي، جامعة خميس مليانة، الجزائر
د. نوال بومشطة، جامعة أم البواقي، الجزائر
د. أحلام بوحجر، جامعة معسكر، الجزائر
د. بن سعد قلولي، ناقد أدبي، الجلفة، الجزائر
د. كميلة واتيكي، جامعة بجاية، الجزائر
د. نصيرة ريلي، جامعة بجاية، الجزائر
د. عبلة معاندي، جامعة بجاية، الجزائر
د. تسعديت لحول، جامعة بجاية، الجزائر
د. سارة قطاف، جامعة بجاية، الجزائر
د. الطاهر مسيلي، جامعة بجاية، الجزائر
د. عمر قلايلية، جامعة بجاية، الجزائر
د. حسين عبد الكريم، جامعة بجاية، الجزائر
د. ليندة مسالي، جامعة بجاية، الجزائر
د. ليندة زواوي، جامعة بجاية، الجزائر
د. لحبيب عمي، جامعة بجاية، الجزائر
د. نورة عقاق، جامعة بجاية، الجزائر
د. خالص زهرة، جامعة بجاية، الجزائر
د. بهلول سهيلة، جامعة بجاية، الجزائر
د. موسى عالم، جامعة بجاية، الجزائر
د. يوسف رحيم، جامعة بجاية، الجزائر
لجنة التنظيم والإعلام:
د. فوضيل عدنان ، جامعة بجاية، الجزائر
د. الهادي بوديب، جامعة بجاية، الجزائر
د. زينب نسارك، جامعة بجاية، الجزائر
د. ججيقة بسوف، جامعة بجاية، الجزائر
د. عائشة ايدر، جامعة بجاية، الجزائر
د. نجيم حناشي، جامعة بجاية، الجزائر
د. ربيحة وزان، جامعة بجاية، الجزائر
د. حكيم أومقران، جامعة بجاية، الجزائر
المؤتمر الدولي للعلوم الاجتماعية والفنون والعلوم الإنسانية (ICSAH) ينظم المؤتمر الدولي للعلوم الاجتماعية والفنون والعلوم الإنسانية (ICSAH) في الفترة من…
المؤتمر الدولي للفنون والعلوم الإنسانية (ICAH) المؤتمر الدولي للفنون والعلوم الإنسانية (ICAH) الشارقة، الإمارات العربية المتحدة عن المؤتمر: الهدف الرئيسي…
المؤتمر الدولي العلوم الاجتماعية في الخليج: سؤال التوطين 6 مايو 2023/ 16 شوال 1445 تتفرد العلوم الاجتماعية بأنها تدرس موضوعات…