ندوةُ المدينة: الدورة الثالثة "الإنسانُ والتأويل" .Iتأسيس موضوع الندوة لا شكّ في أنّ التأويل قدر أنطولوجيّ رافق البشر في كلّمساراتهم المتقلّبة،…
لا يوجد نصّ مفرد وإن خُيّل إلينا أنّه كذلك، وكلّ نصّ كان في بدء التكوين جِماع نصوص، وعينا بذلك أم لم نَعِ.
وتوجد نصوص كبرى، متراكبة طبقاتها، معقّد بناؤها، متعدّدة سجلاّتها، وتوجد نصوص صغرى، بسيطة بنيتُها، ونصوص أصول وأخرى فروع أو حوافّ وتوابع، الأولى كونية وعالمية تتجاوز التاريخ والجغرافيا والقُطرية والإقليمية والمحليّة، فتكون خالدة، تتناسل منها النصوص تناسلا كثيرا، والثانية محليّة، بعضها يموت بُعيد الولادة، والبعض الآخر عمره قصير لا يأبه به إلاّ النّفر القليل، فيُنسى ويفنى.
ولا يكون النصّ إبداعا، أي إنشاء متفرّدا إلا ساعة الخلق البكر، وقد تكون هذه الساعة غير معلومة لأنّها تنتمي إلى الزّمن البدئي، الزّمن الأسطوري، وهو زمن لا يمكن الإمساك به، هو زمن فالت من كلّ قيد وحدّ، فهل يكشف هذا عن أنّ ما أُنشئ بعد الخلق الأوّل لا يخرج عن كونه متردّما[1] رُقّع، أو فتقا رتق، أو مجملا فصّل، أو غامضا فُسّر، أو ضيّقا وُسّع؟ وهل النصّ، أي نصّ إلاّ مرايا تُرى فيها وجوه متعدّدة ومتنوّعة، أوّلها وجه مبدعه، ثمّ ما ينفكّ القارئ يكشف عن وجوه آخرين، منها ما هو قريب العهد، ومنها ما هو غابر في الزّمان، وناء في المكان، ومخالف في اللسان. لذلك يكون من البديهي القول: ما من نصّ إلاّ وقُدّ من قطع نصوص أخرى سابقة أو مزامنة، أو هو نسيج خيوط مختلفة الألوان، متعدّدة الموادّ، فإذا فكّك النصّ الجمع إلى قطع كانت متراكبة رحل بك كلّ مقطع إلى أزمنة غابرة وإلى فضاءات أضحت معالمها مطموسة، ودلالاتها كُثارا، وألفاظها لواقح من رياح الشرق والغرب وحيا وإلهاما واستلهاما واستحضارا.
بدء النصّ نواة صغيرة الحجم أو متوسّطته، لكنّها ما تنفكّ تنمو بالزيادة بفعل تقدّم الزمان وتبدّل الأحوال، فيكون النصّ مثل كرة الثلج، كلّما ازداد نزول الثلج تضخّم حجمها، غير أنّ النصّ ينمو بتنوّع المادّة، يقول تودوروف:”نحن عندما نقرأ عملا أدبيّا نقرأ دائما أكثر من أثر، وندخل في تواصل مع الذاكرة الأدبية ومع ذاكرتنا الشخصية، ومع ذاكرة المؤلف، ومع ذاكرة العمل نفسه، ومع الأعمال التي سبق أن قرأناها، وحتّى مع الأعمال الأخرى، فكلّ هذه الأعمال حاضرة في قراءتنا، وكلّ نصّ هو طِرْسٌ (Palimpseste)”[2]، ويقول فري (Frye): “إنّ القصيدة الجديدة تحتلّ مكانها في النظام الكلامي الموجود سلفا، شأنها شأن الطفل الحديث الولادة، إذ لا يمكن أن ننشئ الشعر إلا انطلاقا من أشعار أخرى، ولا أن نكتب رواية إلاّ انطلاقا من روايات أخرى”[3]. ويضيف الباحث نفسه:” إنّ الفرق الحقيقي بين شاعر أصيل وشاعر مقلّد يتمثّل بكلّ بساطة، في أنّ الأوّل كان أكثر عمقا في المحاكاة”[4].
لكن هل من السهل تفكيك النصّ المركّب وتبيّن العناصر التي منها تكوّن؟ وهذه النصوص الصغرى هل من السهل إرجاعها أو نسبتها إلى أصولها أو إلى ثقافتها التي منها هاجرت؟ إنّه من العسير القيام بذلك، لأنّ الأمر يتطلّب ثقافة موسوعية واطّلاعا واسعا على عديد النصوص في عديد الثقافات قديمها وحديثها وتمكّنا من أكثر من لسان.
وقد يكون الأمر أعسر عندما يكون النصّ الغائب حاضرا بالمعنى أو مشتّتا في مواضع من الأثر متباعدة؛ لكن قد يكون يسيرا عندما يحدث تنافر بين النواة الأصل والنصّ المستحضر، أو عندما ينشأ سوء انتظام بينهما أو تناء بين المعنى الثاوي في النصّ الأمّ والمعنى الكامن في النصّ الوليد؛ أو عندما يُعلن النصّ الثاني صراحة عن استحضاره لنصّ أو نصوص سابقة لأداء وظيفة مخصوصة؛ وقد يتساءل القارئ أو الباحث عن مدى وفاء النصّ اللاّحق للنصّ الأصل وعن مدى انتظام النّسيج النصّي في بنائه الراهن؟ألا يمكن أن تكون المقاطع النصيّة في حال عدم انسجامها أمارة أو علامة قويّة دالّة على أنّ النصّ في نشوئه لم يكن وليد لحظة إبداع واحدة، وأنّ مبدعيه كُثر، فخرج على دفعات متباعدة في الزّمان، ومختلفة في المكان، ومتعدّدة في اللسان؛ ومتجدّدة في المباني والمعاني؟
إنّ الغاية من هذه الورقة العلمية الموجزة فتح نوافذ للبحث حول موضوع “طبقات النصّ وطبقات الدّلالة”، وهو عنوان ندوة علمية دولية ينظّمها مخبر تجديد مناهج البحث والبيداغوجيا في الإنسانيات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان (جامعة القيروان) أيام 5 و6 و 7 ماي 2022.
المحاور الرّئيسة:
1- السجلاّت اللغوية: الثبات والتحوّل.
2- النصّ: قدامة الأصل وتعدّد الفروع.
3- النصّ: النّظام والفوضى.
4- وظائف النصوص الوافدة.
5- الترجمة: الوفاء للأصل والعدول عنه.
يرجى من الباحثين الراغبين في المشاركة في أعمال هذه الندوة العلمية الدولية أن يبادروا بمدّ مخبر تجديد مناهج البحث والبيداغوجيا في الإنسانيات بمداخلاتهم حسب التواريخ التالية:
أ- عنوان البحث والملخّص: قبل 31 جانفي 2022 28 فبفري 2022.
ب- المداخلة في صيغتها النهائية قبل 05 أفريل 2022.
ملاحظات:
-لا تُقبل البحوث الواردة بعد الآجال.
-تخضع جميع البحوث للتّحكيم.
-ينشر المخبر البحوث الجيّدة.
-منسّق الندوة: الأستاذ الساسي الضيفاوي.
الجهة المنظمة:
جامعة القيروان – كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان
مخبر بحث “تجديد مناهج البحث والبيداغوجيا في الإنسانيات”
للاتّصال:
– العنوان البريدي: مخبر البحث: تجديد مناهج البحث والبيداغوجيا في الإنسانيات، كلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة بالقيروان 3100 (ندوة طبقات النص وطبقات الدلالة).
-العنوان الالكتروني: labo.flshk@gmail.com
-الأستاذ الساسي الضيفاوي (الهاتف: 97255124، البريد الالكتروني:dh.sassi@yahoo.fr)
هوامش:
[1] المُتَرَدَّمُ: لفظ ورد في مطلع معلقة عنترة بن شدّاد العبسي:
هل غادر الشعراء من متردّم أم هل عرفت الدّار بعد توهّم
والمتردّم في “لسان العرب” لابن منظور يعني المرقّع، وقال ابن سيده في تفسير هذا اللفظ: “….أي من كلام يلصق بعضه ببعض و يلبّق، أي قد سبقونا إلى القول، فلم يدعوا مقالا لقائل”(لسان العرب، مادّة: ردم).
ونقرأ في شرح الزوزني لمعلقة عنترة: “المتردّم: الموضع الذي يسترقع ويستصلح لما اعتراه من الوهن والوهي، والمتردّم أيضا مثل الترنّم، وهو ترجيع الصّوت مع تحزين، يقول : هل تركت الشعراء موضعا مسترقعا إلاّ وقد رقعوه وأصلحوه، وهذا استفهام يتضمّن معنى الإنكار، أي لم يترك الشعراء شيئا يصاغ فيه شعر إلاّ وقد صاغوه فيه]…[ لم يترك الأوّل للآخر شيئا، أي سبقني من الشعراء قوم لم يتركوا لي مسترقعا أرقعه ومستصلحا أصلحه…” (الزوزني، شرح المعلقات (معلقة عنترة) ص 137).
[2] Northrop Frye, Le grand Code, Ed Seuil, 1984, préface de T. Todorov, P 7.
[3] Ibid, P 11 (cité par Todorov).
[4] Ibidem. (cité par Todorov).
ندوةُ المدينة: الدورة الثالثة "الإنسانُ والتأويل" .Iتأسيس موضوع الندوة لا شكّ في أنّ التأويل قدر أنطولوجيّ رافق البشر في كلّمساراتهم المتقلّبة،…
المؤتمر الدولي للدراسات البينية والابتكار المؤتمر الدولي للدراسات البينية والابتكار عن المؤتمر يوفر المؤتمر الدولي للبحث متعدد التخصصات والابتكار (ICMRI…
المؤتمر الدولي حول العولمة والثقافة (ICGC) المؤتمر الدولي حول العولمة والثقافة (ICGC) 13 أكتوبر 2023 - بورصة ، تركيا الهدف…
الملتقى الدولي تعقّل الأزمة الملتقى الدولي تعقّل الأزمة الملتقى الدولي تعقّل الأزمة كثرة الحديث في موضوع مّا لا تعني بالضّرورة…
الندوة الدولية الهجرة ومسألة الهوية الندوة الدولية الهجرة ومسألة الهوية الندوة الدولية الهجرة ومسألة الهوية تفيد تقديرات المنظمة العالمية للهجرة…